ثم دثر حتى صار صحراء. ونزلت عساكر العباسيين التي تعقبت مروان بن محمد آخر الخلفاء الامويين ، في هذا الموضع عند جبل يشكر واخذوا يبنون فيه. ولما ولى مصر موسى بن عيسى الهاشمي ـ وقد تولاها ثلاث مرات في عهد الخليفة هارون الرشيد آخرها في سنة ١٧٩ ه ـ ابتنى فيه دارا انزل فيها أهله وعبيده ، ثم اذن للناس فابتنوا فيه ، واتصل بناؤه ببناء الفسطاط. ثم بنيت فيه دار للامارة ، ومسجد جامع عرف بجامع العسكر ، فسمى ذلك الموضع منذ ذلك الوقت بالعسكر ، وصار أمراء مصر ينزلون به (١).
وقد طالت أيام موسى بن أبي العباس ، وكانت أياما حسنة ، اذ استطاع القضاء على الفتن الداخلية ، وامتحن فقهاء مصر وعلماءها فاجاب أكثرهم (٢). الا انه عزل وعين مالك بن كيدر بدلا عنه ، فقدم الى مصر في أواخر ربيع الآخر سنة ٢٢٤ ه وسكن العسكر. وكانت له ولاية الصلاة فقط. أما الولاية على الخراج فكانت للخليفة يولي عليها من يشاء (٣). وكان مالك اداريا حازما الا انه صرف عن عمله بعد سنتين. ووليها القائد علي بن يحيى الارمني وقد ولاه أشناس على الصلاة فقط. فقدم اليها في أوائل ربيع الآخر سنة ٢٢٦ ه ، واستمر في ولايته حتى وفاة المعتصم بالله. فأقره الواثق بالله على ولايته. وكان أبو الحسن قد سكن العسكر على عادة الولاة الذين سبقوه ، وجدّ في اصلاح أحوال البلاد وقمع الفتن والفساد. واقام واليا عليها حتى ورد الأمر عليه بعزله عن غير سخط عليه ، في أوائل ذي الحجة سنة ٢٢٨ (٤). فتوجه الى العراق وقدم على الواثق بالله بسامرا فاكرمه (٥).
__________________
(٨) الخطط المقريزية ١ / ٣٠٤.
(٩) النجوم الزاهرة ٢ / ٢٣٢.
(١٠) نفس المصدر ٢ / ٢٣٩.
(١١) كتاب الولاة وكتاب القضاة / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، والنجوم الزاهرة ٢ / ٢٤٥.
(١٢) النجوم الزاهرة ٢ / ٢٤٥ ، وكتاب الولاة وكتاب القضاة / ١٩٦ ، ويقول الكندي ان عيسى بن منصور سجن علي بن يحيى وضيق عليه ، ثم اطلقه.