العمال فيهم» (١). مما اضطر المأمون الى ان يقدم الى مصر بنفسه في مطلع سنة ٢١٧ ه فسخط على عيسى بن منصور وعزله عن الولاية ، ونسب ما وقع في البلاد الى سوء ادارته ، اذ قال له «لم يكن هذا الحدث العظيم الا عن فعلك وفعل عمالك ، حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتموني الخبر حتى تفاقم الأمر واضطربت البلاد» (٢). وعين بدلا عنه الأمير التركي أبا مالك كيدر الصغدى ، واسمه نصر بن عبد الله. كما عين هارون بن عبد الله الزهري على قضاء مصر. فقدم اليها هارون في أواخر رمضان من تلك السنة ، و «كان محمود السيرة عفيفا محبوبا من أهل البلد» (٣) وقد اعتنى بشؤون الاوقاف ، فثبت غلاتها وأوجه انفاقها ، كما رعى شؤون الأيتام وعاقب من يتهاون بأمورهم من الأوصياء عليهم. وقد رفض أن يحضر ممثل صاحب البريد مجلس قضائه ما لم يكن ذلك بأمر الخليفة.
ولما كتب أبو اسحاق ، وكان المأمون قد عينه على ولاية مصر ، الى خليفته كيدر بأمر المحنة ، استجاب القاضي هارون ووافقه على ذلك عامة الشهود وأكثر الفقهاء (٤).
وعند ما تولى أبو اسحاق المعتصم بالله الخلافة ورد كتابه الى كيدر يقره على امارته ، ويخبره ببيعته ، ويأمره باسقاط من في الديوان من العرب وقطع اعطياتهم. ويبدو انه اتخذ هذا الاجراء تأديبا للقواد والجند العرب الذين ايدوا المناداة بالعباس خليفة غداة موت أبيه المأمون ، وتنفيذا لسياسته في تتريك جيش الدولة ، ففعل كيدر ذلك. وكان من نتائج قطع الاعطيات عن العرب خروج
__________________
(١) كتاب الولاة وكتاب القضاة / ١٩٠ ، والخطط المقريزية ١ / ٣١١.
(٢) كتاب الولاة وكتاب القضاة / ١٩٢.
(٣) فتوح مصر / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.
(٤) كتاب الولاة وكتاب القضاة / ٤٤٥.