يوقف تدخل هؤلاء القواد بشؤون الدولة وفرض رغباتهم على الخليفة. واهم ما ساعده في ذلك اضافة الى كفايته السياسية وقوة شخصيته عاملان ، اولهما النزاع الذي كان قد قام بين القواد انفسهم منذ عهد المستعين بالله حتى تولى المعتمد على الله ، مما اضعف من قوتهم وقلل من شأنهم. وثانيهما الحروب القائمة التي استطاع الموفق ان يوجههم اليها ويشغلهم بها. وبذلك تسنى للموفق ان يعيد للخلافة هيبتها ، وللدولة سلطانها ونفوذها.
وكا من الاخطار المهمة التي هددت الخلافة في سامرا ، اضافة الى استفحال ثورة الزنج ، ان يعقوب بن الليث الصفار قدم بجيشه يطرق ابواب عاصمة الخلافة ، لانه رغم ما كان يتظاهر به من ولاء وطاعة للخليفة ، لم يكن قانعا بما وليه من الاقليم والولايات ، لأن ذلك لا يزال دون هدفه في ازالة دولة العرب. فعزم على محاربة الخليفة ليتم له الاستيلاء على الدولة العربية كلها مدعيا «بانه لم يجىء الا لخدمة الخليفة والتشرف بالمثول بين يديه والنظر اليه وان يموت في ركابه» (١). الا ان الخليفة واخاه الموفق ادركا ما كان يخفيه من النوايا الخبيثة تجاه الدولة العربية ، خلف هذا القناع من المسكنة والتذلل. فخرج اليه الخليفة بنفسه بجيش اشترك فيه اغلب القواد وعلى رأسهم الموفق. وسرعان ما دارت الدائرة على الصفار وجيشه فهزم شر هزيمة ، وعاد خائبا وقد تحطمت احلامه. واعادت الدولة سيطرتها على ما سبق ان استولى عليه من الاقاليم عنوة.
كما ان الامير احمد بن طولون الذي كان نازع الخلافة وارسل جيوشه لمحاربتها ردحا من الزمن ، قد انتهى نزاعه بالخضوع لسيادة الخلافة في سامرا. وهكذا كانت الحروب التي
__________________
(٩٧) وفيات الاعيان ٥ / ٤٥٩.