امر الطرب على الناس وما يستفز الناس منه ويغلب على عقولهم ، واناظر المعتصم بالله في ذلك. حتى كان يوم خرج فيه المعتصم بالله الى الشماسية في حراقة يشرب ، ووجه في طلبي فصرت اليه. فلما قربت منه سمعت غناء حيرني وشغلني عن كل شىء ، فسقط سوطي من يدي ، فالتفت الى غلامي اطلب منه سوطه ، فقال لي : قد سقط مني لصوت سمعته فشغلني عن كل شىء ، فاذا قصته قصتي. فلما دخلت على المعتصم بالله اخبرته بالأمر ، فضحك وقال : هذا عمي ابراهيم بن المهدي كان يغنيني :
ان هذا الطويل من آل حفص |
|
نشر المجد بعد ما كان ماتا |
فان ثبت مما كنت تناظرنا عليه في ذم الغناء ، سألته ان يعيده. ففعلت وامره باعادة غنائه. فبلغ بي الطرب حدا كبيرا بحيث رجعت عن رأي في الغناء منذ ذلك اليوم (١).
وقد عرف احمد بن ابي دواد بحبه الأدب ورعاية الادباء والشعراء واغداقه عليهم ، واعالة بعضهم بحيث انهم افتقدوه عند موته. وكان الجاحظ ملازما محمد بن عبد الملك الزيات خاصا به ، ومنحرفا عن ابن ابي دواد للخصومة التي كانت بين الأثنين. فلما قتل ابن الزيات جىء بالجاحظ مقيدا الى قاضي القضاة فانبه وعاتبه ، الا انه سرعان ما عفا عنه واطلق سراحه (٢). فنال الجاحظ بعد ذلك حظوة لديه عند ما اهدى اليه كتابه «البيان
__________________
(٢٧) الآغاني ١٠ / ١٠٦ ـ ١٠٧.
(٢٨) معجم الادباء ٦ / ٥٨ ـ ٥٩ ، والفرج بعد الشدة ١ / ٣٦١.