الخليفة الواثق بالله كان لا يود اخاه ، دائم الغضب عليه ، ومن الطبيعي ان يحذو وزيره حذوه والا عرض نفسه لغضب الخليفة ونقمته. وسبق ان ذكرنا ان المتوكل على الله قد كان قد اضمر الشر لابن الزيات وللقائد ايتاخ لأنه اعتقد بانهما عارضا ترشيحه للخلافة واتفقا على قتله.
ولم يسلم من سخط المتوكل على الله وغضبه قاضي القضاة احمد ابن ابي دواد صاحب الفضل الأول في توليه الخلافة ، والذي كان شديد العطف عليه ايام اخيه الواثق بالله ، وكثيرا ما كان يلتمس الخليفة ليحسن معاملة اخيه ويرضى عنه. فقد امر في سنة ٢٣٧ ه بمصادرة ضياعه ، وحبس ابنه ابا الوليد محمدا مع مصادرة امواله واموال اخيه ، رغم ان ابن دواد كان طريح الفراش وقد اصيب بالفالج منذ سنة ٢٣٣ ه. وليس هناك من سبب واضح لسخطه عليه وعلى اولاده. ويستبعد ان يكون السبب هو ان ابن ابي دواد من المعتزلة وقد تزعم قضية المحنة ، لأن سخط المتوكل على الله جاء بعد ابطال المحنة ببضعة سنوات. مما يجعلنا نميل الى انه كان يحسده لما صار اليه من مكانة مرموقة في الدولة ، وانه كان موضع ثقة ابيه المعتصم بالله واخيه الواثق بالله واحترامهما ، كما انه نال بمواقفه النبيلة احترام الناس وتقديرهم.
وامر المتوكل على الله بمصادرة عدد من الوزراء وكبار الكتاب ، ويبدو ان الدافع الرئيس لذلك هو رغبته في احتواء اموالهم لسد نفقاته الواسعة (١).
ولعل ضخامة اموال رجال الدولة وكتابها وكثرة املاكهم وتعدد
__________________
(٣٢) الطبري ٩ / ٢١٦ ، وتجارب الامم ٦ / ٥٥٣.