ومما له علاقة بكثرة الانفاق في عهد المتوكل على الله اهتمامه بالعمران وولعه ببناء القصور. فقد بنى ما ينوف على خمسة عشر قصرا انفق في بنائها مبالغ طائلة. وقد احدث المتوكل على الله بناء لم يكن الناس يعرفونه ، وهو المعروف بالحيري نسبة الى مدينة الحيرة ، فبنى الناس جميعا بسامرا هذا البناء. وقد تكلمنا عن الماحوزة شمالي سامرا اعظم اعماله العمرانية وكان يسميها المتوكلية. وكنا افردنا لها فصلا خاصا بعمرانها.
وكان المتوكل على الله قد حاول اكثر من مرة ، قبل ان يؤسس مدينة المتوكلية ، ان ينتقل عن سامرا الى مدينة اخرى. ولا ندري ما اذا كان بدافع الرغبة في التحرر من نفوذ القواد الاتراك المعارضين له ، او طلبا لجو يلائم صحته ، او انه كان يريد ان تكون عاصمة تنسب اليه. ولعل ما يؤيد السبب الأخير بناؤه مدينة المتوكلية وانتقاله ودواوين الدولة اليها. وكان قبل ذلك اراد الانتقال الى اصبهان بعد ان سمع عن طيب هوائها ، فبعث جماعة من المهندسين لتخطيط القصور له ولخواص اصحابه ، الا ان اهلها فزعوا الى وصيف القائد وسألوه التلطف في فسخ عزمه فاقنعه بانها لا تتسع له ، واذا ما سكنها ضاق الأمر على الناس في الميرة ، مما اثناه عن عزمه ، فخرج الى دمشق لأنه قيل له ان هواءها مقارب لهواء اصبهان (١).
عزم المتوكل على الله على المقام بدمشق لما وصف له من فضائلها وطيبها ، فأمر بالبناء فيها ونقل الدواوين اليها ، الا انه تركها بعد اقام فيها شهرين وبضعة ايام فعاد الى سامرا محتجا ببرد هواء دمشق
__________________
(٢٨) الاعلاق النفيسة / ١٥٦.