وأخرج ابن جرير ، عن عيسى بن حارثة الأنصاري قال : كنّا جلوساً في الديوان ، فقال لنا نصراني : يا أهل الإسلام : لقد اُنزلت عليكم آية لو اُنزلت علينا لاتّخذنا ذلك اليوم ، وتلك الساعة عيداً ما بقي اثنان ، وهي قوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » .
كما روى ابن جرير ، عن ابن جريح ، عن السديّ أنّه لم ينزل بعد هذه الآية حرام و لا حلال ، ورجع رسول الله ( ص ) فمات (١) .
* * *
بماذا تحقق الكمال ؟
لا شك أنّ الشريعة الإسلاميّة من جانب الأحكام والعقائد اكتملت بامرين أحدهما : كتاب الله سبحانه ، والآخر سنّة نبيّه الكريم .
أمّا الأوّل فقد عرّف سبحانه مكانته ، وسعة معارفه بقوله : « وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ » ( النحل ـ ٨٩ ) .
فلا شك أنّ المراد من لفظة « كُلِّ شَيْءٍ » ، هو كلّ شيءٍ اُنيط بيانه إلى سفرائه وأنبيائه سبحانه من العلوم والمعارف ، والمناهج والتعاليم التي لا يصل الفكر الإنساني إلى الصحيح منها ، بلغ ما بلغ من الكمال .
فهذه الاُمور تكفل ( الكتاب الكريم ) ببيانها وذكر خصوصيّاتها ، وأمّا العلوم التي يصل إليها البشر بفكره ، كالفنون المعماريّة ، والمعادلات الرياضيّة والقوانين الفيزياويّة والكيماويّة ، فهي خارجة عن رسالة ذلك الكتاب ، وليس بيانها من مهامه ووظائفه .
نعم ربّما يحتمل أن يكون للآية معنىً أوسع ، حتى يكون القرآن الكريم قابلاً لتبيان تلك المعارف والعلوم ، غير أنّ هذا الإحتمال ـ على فرض صحّته ـ لا يصحّح أن يكون ( القرآن الكريم ) مصدراً لهذه المعارف ، حتى يرجع إليه كافّة العلماء والإختصاصيّون في هذه العلوم ، وإنّما يتيسّر استخراج هذه العلوم والمعارف لمن له مقدرة علميّة إلهيّة غيبيّة ، حتى يتسنّى له استخراج هذه الحقائق والمعارف من بطون الآيات وإشاراتها ، وهو ينحصر في جماعة قليلة .
____________________________
(١) الدرّ المنثور للعلّامة جلال الدين السيوطي ( المتوفى عام ٩١١ هجـ ) ج ٢ ص ٢٥٨ .