رجل سوء ، كان يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين ، قالوا : وما علامة ذلك؟ قلت : أنا أخرج لكم كنزه قالوا : فهاته ، فأخرجت لهم سبع قلال (١) مملوءة ذهبا وورقا ، فلما رأوا ذلك ، قالوا : والله لا يدفن أبدا ، فصلبوه على خشبة ، ورموه بالحجارة ، وجاؤا برجل آخر فجعلوه مكانه ، فلا والله يا ابن عباس : ما رأيت رجلا قط يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ، أشد اجتهادا ولا أزهد في الدنيا ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه ، ما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبّه ، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة فقلت : يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله ، وإني والله ما أحببت شيئا قطّ حبّك فإلى من تأمرني ، إلى من توصيني قال : إني والله ما أعلمه إلا رجل (٢) بالموصل (٣) ، فأته فإنك تجده على مثل حالي ، فلما مات وغيب لحقت بالموصل ، فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهادة في الدنيا ، فقلت له : يا فلان إن فلانا أوصاني أن آتيك فأكون معك قال : فأقم أي بني ، فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه ، حتى حضرته الوفاة فقلت له : إن فلانا قد أوصاني إليك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من؟ قال : والله ما أعلمه أي بني إلا رجلا بنصيبين (٤) ، هو على مثل ما نحن عليه فالحق به ، فلما دفناه لحقت بالآخر ، فقلت له : إن فلانا أوصاني إليك قال : فأقم يا بني فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى ، وقد كان فلان أوصاني إلى فلان ، وأوصى فلان إلى فلان ، وأوصاني فلان إليك ، فإلى من؟ قال : والله أي بني ما أعلم أحدا على مثل ما نحن عليه إلا رجلا
__________________
(١) جمع القلة وهي إناء للعرب كالجرة الكبيرة ، وقد يجمع على قلل. انظر «مختار الصحاح» ص ٥٤٩.
(٢) هكذا في النسختين ، الظاهر : رجلا كما سيأتي في الصفحة التي تليها.
(٣) مر تحديده في مقدمة الكتاب وهو بفتح الميم وكسر الصاد.
(٤) بالفتح ثم الكسر ثم ياء علامة الجمع الصحيح ، وهي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام (بينها وبين الموصل ستة أيام) بقرب سبخار ، كثيرة المياه والأشجار والبساتين.
انظر «معجم البلدان» ٥ / ٢٨٨ ، «وآثار البلاد» للقزويني ص ٤٦٧.