سرير ملكه تعظيما لهما. وظاهر قوله : وخروا له سجدا أنه السجود المعهود ، وأن الضمير في له عائد على يوسف لمطابقة الرؤيا في قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) (١) الآية وكان السجود إذ ذاك جائزا من باب التكريم بالمصافحة ، وتقبيل اليد ، والقيام مما شهر بين الناس في باب التعظيم والتوقير. وقال قتادة : كانت تحية الملوك عندهم ، وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة. وقيل : هذا السجود كان إيماء بالرأس فقط. وقيل : كان كالركوع البالغ دون وضع الجبهة على الأرض. ولفظة وخروا تأبى هذين التفسيرين. قال الحسن : الضمير في له عائد على الله أي : خرّوا لله سجدا شكرا على ما أوزعهم من هذه النعمة ، وقد تأول قوله : رأيتهم لي ساجدين ، على أن معناه رأيتهم لأجلي ساجدين. وإذا كان الضمير ليوسف فقال المفسرون : كان السجود تحية لا عبادة. وقال أبو عبد الله الداراني : لا يكون السجود إلا لله لا ليوسف ، ويبعد من عقله ودينه أن يرضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته من صون أولاده ، والشيخوخة ، والعلم ، والدين ، وكمال النبوة. وقيل : الضمير وإن عاد على يوسف فالسجود كان لله تعالى ، وجعلوا يوسف قبلة كما تقول : صليت للكعبة ، وصليت إلى الكعبة ، وقال حسان :
ما كنت أعرف أن الدهر منصرف |
|
عن هاشم ثم عنها عن أبي حسن |
أليس أول من صلى لقبلتكم |
|
وأعرف الناس بالأشياء والسنن |
وقيل : السجود هنا التواضع ، والخرور بمعنى المرور لا السقوط على الأرض لقوله : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) (٢) أي لم يمروا عليها. وقال ثابت : هذا تأويل رؤياي من قبل أي : سجودكم هذا تأويل ، أي : عاقبة رؤياي أنّ تلك الكواكب والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. ومن قبل متعلق برؤياي ، والمحذوف في من قبل تقديره : من قبل هذه الكوائن والحوادث التي جرت بعد رؤياي. ومن تأول أنّ أبويه لم يسجدا له زعم أن تعبير الرؤيا لا يلزم أن يكون مطابقا للرؤيا من كل الوجوه ، فسجود الكواكب والشمس والقمر يعبر بتعظيم الأكابر من الناس. ولا شك أن ذهاب يعقوب عليهالسلام مع ولده من كنعان إلى مصر لأجل يوسف نهاية في التعظيم له ، فكفى هذا القدر في صحة الرؤيا وعن ابن عباس : أنه لما رأى سجود أبويه وإخوته هاله ذلك واقشعر جلده منه. وقال ليعقوب : هذا تأويل رؤياي من قبل ، ثم ابتدأ يوسف عليهالسلام بتعديد نعم الله عليه
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٧٣.