فلما وقف أبو محمد عليه كرّر فيه نظره ، وبقي متعجّبا منه ، ويقول : «أخي أبو نصر أعطاك الكتاب بداره أم بالديوان أم بالقلعة قدّام الأمير؟» فقال : «بل بداره» فقال : «ما هذا صحيح!» فحلف له فلم يصدقه إلى أن قال : «وقعت على المعنى». وكتب جوابه يذكر فيه شكر أبي نصر ، وأنّه مهتمّ بالحضور عندد زوال حمّى جسمه. ثم إنّه كاتب أبا نصر خفية ، وأعلمه أنه عثر على المعنى في تشديد «إنّ».
وقد ذكرنا أنه جرى له ذلك مع ابن منقذ فيحتمل أن يكون وقع ذلك معهما جميعا.
ثم إنّ محمودا أفكر وقال : «ما أعرف قتله إلا منك» ؛ فقال : «كيف؟» قال : «تمضي إليه اليوم ومعك ثلاثون فارسا يقفون لك في بعض الطّريق ، وتقدم منك إليه من يعلمه بوصولك ومعك في رانك هذه الخشكنانة (١) ومعك أنت خشكنان غيره ؛ فإذا فعلت ذلك لا بدّ أن ينزل ويلتقيك من قلعة عزاز ، ويعرض عليك الصعود والنّزول عنده ، فقل له : أنا موجل ومستحلف أن لا أنزل على الأرض ، ولا آكل لك طعاما ؛ وطوّل الحديث معه إلى أن تعلم أنه قد جاع ؛ ثم اذكر أنت الجوع واخرج لك خشكنانة من الذي معك ؛ ثم أخرج المسمومة فادفعها إليه ، وكل أنت التي لك ، وتحدّث معه ويكون حديثكما على فرسيكما وأنتما بمعزل من أصحابكما ، وطوّل معه الحديث ولا تبرح حتّى يستوفي أكلها ، وعلامة صدقك موته ؛ وإلا ضربت عنقك».
__________________
(١) من أنواع الخبز يصنع من الدقيق والزبد والفستق والسكر أو سواه.