السّلطان ، ويصلح أمره معه ، فخرج مستفسرا ومتوسّلا. وتلطّف الأمر ، وأحسن السفارة. وخاطب السّلطان بأنّه قريب العهد بالخطبة للخليفة ، وقد لبس تشريفه.
فقال السّلطان : «أي شيء تساوي خطبته للخليفة ولبس تشريفه ، مع ما سبق من شقّه العصا وخروجه عن الطّاعة!» وأبى قبول الشّفاعة فيه بدون وطء محمود بساطه.
فخاف محمود ولم يجب إلى ذلك ، وتمادى الأمر نحو شهرين. وحصّن محمود حلب وجفّل الناس من سائر الشام إليها ، وحصل الرّعب في قلوبهم هيبة. لما اجتمع إليه من العساكر الجمة ، والجيوش الكثيفة الضخمة. وكان الأمر بخلاف ما ظنّ الناس ؛ فإنّه لما أيس من خروج محمود إليه عاد من الفنيدق وكانت خيمته على ذلك التّلّ فعرف بتلّ السّلطان من ذلك اليوم.
ونزل على حلب في آخر جمادى الآخرة من السّنة ، وكانت الخيام والعساكر من حلب إلى نقرة بني أسد ، إلى عزاز ، إلى الأثارب ، متقاربة بعضها من بعض ، ولم يتعرّض أحد من العسكر بمال أحد ، ولا سبيت حرمة ، ولا قاتل حصنا.
وبلغني أنّ عسكره العظيم لم يأخذ عليقة تبن من فلاح إلا بثمنه ، وأقام محاصرا حلب شهرا ويومين. ولم يقاتلها غير يوم واحد ، وقصد المطاولة بالبلد بعد أن أشرف على الأخذ ، وقال : «أخشى أن أفتح هذا الثغر بالسّيف