في قل من الرّجال ، فلقيه معزّ الدّولة ثمال وأكرمه وحمل إليه مالا عظيما.
وحدّث بعض العرب من بني كلاب أنّهم لم يروا مثله في الشجاعة والمكر والحيلة ؛ وكان إذا ركب معزّ الدّولة قفز إليه ، ليمسك له الرّكاب ، ويصلح ثيابه في السّرج ، وهمّت بنو كلاب بالقبض عليه فمنعهم معزّ الدّولة.
ثمّ ندم بعد ذلك فإنه تقدّم إلى بالس ، وشتّى بشطّ الفرات ؛ واجتمعت إليه العرب والأتراك ، ففزع منه معزّ الدّولة ؛ وكان قد عرض عليه معزّ الدولة أولا مفاتيح الرّحبة فلم يأخذها منه ؛ ثم طلبها منه في هذه الحالة ليجعل فيها ماله وأهله ، في سنة ثمان وأربعين ، فسلّمها معز الدولة إليه.
وكان معزّ الدّولة كريما معطاء حليما. فمّها يحكي من كرمه : أنّ العرب اقترحوا عليه مضيرة (١) ، فتقدّم إلى وكيله أن يطبخها لهم ، وسأله : «كم ذبحت لأجلها؟» فقال : «سبعمائة وخمسين رأسا». فقال : «والله لو أتممتها ألفا لوهبت لك ألف دينار».
واستغنى أهل حلب في أيّامه ، حتى أنّ الأمير أبا الفتح بن أبي حصينة امتدحه بقصيدة ، شكا فيها كثرة أولاده ، وكان له أربعة عشر ولدا ، قال فيها :
جنيت على نفسي بنفسي جناية |
|
فأثقلت ظهري بالذي شبّ من ظهري |
عداد الثّريّا مثل نصف عدادهم |
|
ومن نسله ضعف الثّريّا متى يثري |
وأخشى اللّيالي الغادرات عليهم |
|
لأنّ اللّيالي غير مأمونة الغدر |
__________________
(١) المضيرة أن تطبخ اللحم باللبن.