فلما استوت أخذها في كمّه وخرج.
فحين علم نصر ركب واجتاز تحت القلعة ، كأنّه يريد الخروج من باب العراق ، في جماعة من أصحابه ؛ وجذب سيفه لمّا قارب باب القلعة ؛ وهجمها فلم يمانعه أحد من الأجناد لهيبته ؛ وتبعه أصحابه مجرّدين سيوفهم ؛ فجلس في المركز وقال : «إنّ من قدّم أخي عليّ فقد أساء ؛ لأنّني أولى بمداراة الرّجال ؛ وهو أولى بمداراة النّساء».
ومن ذلك اليوم جعل لأبواب قلعة حلب سلسلة تمنع الرّاكب الصعود فجاءة ، ورسم أن لا يدخلها أحد متقلّدا سيفا ، ولو أنّه أقرب النّاس مودّة إلى مالكها.
فتفرّد نصر بالأمر في القلعة والبلد ، وذلك في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. وكان وزيره أبا الفرج المؤمل بن يوسف الشمّاس ، الذي ينسب إليه حمّام الشمّاس بحلب ؛ في الجلّوم (١) ؛ وكان نصرانيا وكان حسن التّدبير ، محبّا لفعل الخير ؛ وكان أخوه ناظرا في البلد البرّاني ، فعمره ، وعمر المساجد البرّانية.
فجمع أبو علوان ثمال بن صالح الأعراب ؛ وعزم على منازلة أخيه نصر ؛ فسيّر نصر إلى ملك الرّوم أرمانوس ـ وكان قد هلك باسيل في سنة
__________________
(١) من أحياء حلب القديمة ، كان ينفذ إلى ظاهر المدينة بباب أنطاكية غربا وباب قنسرين جنوبا. أحياء حلب وأسواقها لخير الدين الأسدي ـ ط. دمشق ١٩٨٤ ص ١٦٤ ـ ١٧٢.