مسيرة سبع ساعات
توجد قرية سرّة غرب على الضفة الغربية ، وعلى سبع ساعات ونصف أطلال مدينة عربية
صغيرة قريبة من الماء يحيط بها سور سميك من الآجر. وبلغنا سرة بعد ثمانى ساعات ،
وهى قرية جميلة ، ثم دبيرة بعد ثمانى ساعات ونصف ، وهناك بت ليلتى. وكان دليلى
يمضى بى دائما إلى بيت كبير القرية ، وإلا لمانلنا حظا من الطعام قبل النوم. وكنا
حيثما نزلنا يفرش لنا حصير على الأرض أمام باب الدار الذى لا يدخله غير الأهل
والأخصاء. وكان العشاء الذى يقدم لنا عادة هو خبز الذرة باللبن ، يضاف إليه البلح
أحيانا. ولا يأكل رب البيت مع ضيوفه قط إلا إذا ألحوا عليه فى أن يفعل. ولم يكن
مضيفونا يقدمون العلف لبعيرينا دائما ، وكانوا يعتذرون عن ذلك بنفاد المخزون من
سيقان الذرة. وإذا أرادوا الاحتفاء بالغريب هنا قدموا له عند شروق الشمس قبل رحيله
فطورا من اللبن الساخن والخبز ، أما العشاء فبارد فى العادة. ولكن قلما كان الحظ
يحالفنا فنظفر بفطور ، وكنا فى العادة نركب اليوم كله دون أن نصيب من الطعام غير
التمر القليل نتناوله من جعبتنا ونحن واقفان ببعيرينا عند بقعة ليقضما من أشجار
الطرفاء أو السنط.
٦ مارس ـ كان
طريقنا يسلك سهلا خصبا ينتشر فيه النخيل والمساكن إلى إشكيت. وكان النيل منخفضا
جدا فى العام الماضى فلم يغمر فيضانه السهل. ورآنى شيخ من أقارب أمراء النوبة أمر
بداره فدعانى للنزول عنده وبالغ فى الحفاوة بى. وكان فى شبابه حاكما لسكوت ، فطغى
وتجبر ، ولكن يبدو أنه تاب وأصبح أول المحسنين فى إشكيت. وقد اغتبط بالهدية التى
قدمتها له ، وكانت حفنة من البن المحمص ، فألح علىّ فى المكث عنده يوما ، واعدا
بذبح شاة إن فعلت ، ولكنى لم أجد فى ذلك ما يغرينى إغراء كافيا بتأخير سفرى.
وبينما كنت فى
إشكيت مرت على ضفة النيل الغربية قافلة العبيد التى أشرت إليها آنفا قادمة من
المحس. والطريق المألوف لهذه القوافل التى تختلف إلى مصر عادة مرتين كل عام يشق
الصحراء من المحس إلى الواحة الكبرى ، وتستغرق الرحلة ثلاثة وعشرين يوما ، ومن ثم
إلى أسيوط والقاهرة. ولم يجرؤ تجار