١٥ يونيو ـ ما بدأنا الرحلة حتى هبت علينا ريح هوجاء اتصل هبوبها طوال الصبح ، وأخذت تسفى علينا الرمال من كل ناحية حتى حجبت عنا الطريق فضللناه. وكانت وجهتنا شمالا بشرق مع انحراف إلى الشمال ، وكنا نمر تارة بأراض رملية وتارة بأخرى خصبة تشق الصحراء فى شريط ضيق وتغمرها مياه التاكة بفيضان منتظم. وبعد حوالى أربع ساعات بلغنا نهاية هذا الإقليم الخصب الذى ينمو فيه السنط العالى. وهنا وجدنا قائد القافلة الأكبر فى انتظارنا. وفى العصر استأنفنا السير فى الاتجاه نفسه فوق السهل الصحراوى إلى أن حططنا بعد رحلة تسع ساعات أو عشر. وهب علينا بعد الغروب إعصار شديد أثار هائجة الإبل فلزمنا مكاننا حتى هدأت الريح.
١٦ يونيو ـ مضينا فى اتجاهنا صوب الشمال الشرقى منحرفين للشمال. وكان معنا الآن نحو الثمانية عشر أو العشرين من الحجاج الزنوج أو التكارنة (واحدهم تكرورى) ، وليس اسمهم هذا نسبة إلى بلد تدعى تكرور كما يتبادر إلى أذهان القوم فى الشرق وكما ظن جغرافيو العرب جميعهم خطأ ، ولكنه مشتق من الفعل تكرر (أى تنقىّ) بمعنى أن مشاعرهم الدينية تنقت وتطهرت بحفظ القرآن وبالحج ، ويطلق هذا الاسم على جميع الزنوج القادمين من الغرب ـ مهما اختلفت أوطانهم ـ طلبا للعلم أو سعيا إلى بيت الله الحرام. وهم لا يسمون أنفسهم تكارنة ، وقد أكد لى كثير منهم أنهم لم يسمعوا بهذا الاسم حتى بلغوا حدود دارفور وهؤلاء الحجاج على علم ولو قليل بالقراءة والكتابة ، وكلهم من طائفة الفقهاء ، ولم أجد بينهم أميا قط ، فهم ينفقون زمنا فى مدارسهم الوطنية أولا (وهذه تلقاها أبى سرت فى الأقطار الإسلامية بإفريقية) ثم يقصدون مكة ليحجوا أو يحفظوا القرآن ويدرسوا التفسير فيها وفى المدينة ، وقد يؤمون القاهرة لهذا الغرض ، ولكن أكثرهم يذهب للحج ، ولا تجد اليوم منهم بالأزهر الشريف أكثر من اثنى عشر ، ولم أجد بالمسجد الحرام أكثر من ضعف هذا العدد ، وهناك يفرغون إلى حفظ القرآن عن ظهر قلب ، وهم يؤمنون بأنهم لن ينسوا منه سورة ما داموا حفظوها فى بيت الله. وأكثر التكارنة الذين