لقتلاها. ذلك أن أقرباء القتيل إذا قبضوا على قاتله أولوا وليمة لأفراد الأسرة وجاءوا به فى وسطهم موثقا على عنقريب ، ثم ذبحوه بشفرة ذبحا بطيئا وهم يتلقون دمه فى قدر تدار على الحاضرين فيشربون من دم الضحية وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة. ولست أستطيع الجزم بصحة هذه الرواية وإن يكن كثيرون قد أكدوا لى حقيقتها ولم أسمع أحدا ينفيها. ولعلى كنت قادرا على معرفة بعض عادات هؤلاء الهمج لو كنت ملما بلغتهم أولو لقيت منهم عددا كبيرا يتكلم العربية ، إذ لا يكفى فى ذلك أن أجد منهم واحدا أو اثنين يعرفان العربية ، فهم لا يطيقون إرهاقهم بالأسئلة ما لم يكن فى الإجابة عليها مغنم ، ومثلى لا أمل له فى الحصول على معلومات كهذه إلا بالإنصات إلى حديث القوم بعضهم مع بعض ، أو بمحاولة الاستطراد بهذا الحديث إلى هدفه هو على غير وعى منهم.
وقد ابتلى أهل التاكة برذيلة أخرى فوق الغدرو الخيانة ، وهى ولعهم الشديد بالسرقة. وقد أصابنا جميعا شواظ من هذا الولع ، ولكن أشدنا اكتواء بنارهم كان سواكنيا ينزل خيمة بدوى كبير فى الدوار ، فقد شرطوا جرابه الجلدى فى الليل وسرقوا منه مائة أوقية من الذهب. وكنا كل صباح نكتشف سرقة توافه من متاعنا ، ولكنا اتخذنا من أسباب الحيطة والحذر ما استحال معه عليهم أن يسرقوا الأشياء الثمينة دون إيقاظنا. وكنت يوما فى السوق أكيل بعض الذرة فإذا رجل ينشل من فوق كتفى فردات دمور أعرضها للبيع ، ولم أفطن إلى السرقة لتوى مع أن الواقفين جميعا رأوا الرجل وهو يفر بها. وما إن اكتشفت فعلته حتى اقتفيت أثره ، ولكنى وجدته يحمل سلاحا ، ووجدته لى قريعا بل أكثر من قريع ، ثم إن بعض القوم انحاز إلى صفه ، لذلك رأيتنى محظوظا حين استعدت منه ثلثى ثمن الدمور ذرة ، واحتفظ اللص بالباقى مكافأة له على ما كابد من عناء فى سرقة الدمور كله.
وقد أصبح سكان التاكة أهل حرب وقتال بفضل ما بينهم من تناحر ، وما بينهم وبين البشاريين أعداء جنسهم من خصومة لا هوادة فيها. وسلاحهم سلاح أهل وادى النيل ، ولا يعرفون فى حربهم سهاما ولا قسيا. ويقتنى شيوخهم الجياد ويلبسون الزرد. وهم فيما يقال شجعان صناديد ، ولكنى لم