ويتصل عطبرة بالمقرن على مسيرة يومين من هذه القرية ، وبعدها يسمى الملتقى بالمقرن. ويقال إن منبع المقرن فى جبال البشارية ، ولكن ماءه فى الصيف يكاد ينضب. وهو حتى فى موسم المطر لا يبدو أكثر من مجموعة سيول ، ولا يخترقه الطريق المباشر من هنا إلى سواكن ، وهذا دليل واضح على أن مجراه لا بد أن يكون أبعد إلى الشمال مما تجده عادة فى الخرائط. وقد أسلفت القول إننا لم نجد فى عطبرة من الماء إلا قليلا جدا ، ولا بد أنه من أسابيع كان جافا تقريبا ، لأننا لم نجد فى قاع ملتقى النهر ـ حين عبرناه قرب الدامر ـ إلا بركا راكدة الماء. وفى أثناء مقامنا بعطبرة كانت السماء تمطرنا بالليل رخات خفيفة ، أما النهار فكان ملبدا بالغيوم ، وكثيرا ما كان الضباب ينتشر فى الصباح. وفى الثالث والرابع من يونيو هبط مستوى النهر فجأة فإذا أكثر مجراه جاف ، وقد لحظت بعد ذلك فى طريقنا إلى التاكة أن مقدار الهبوط كان على الأقل قدما. ولا تعلو ضفافه عن خمسة وعشرين قدما. ولم أقس عرض النهر ، ولكنى أقدر ، حسبما انطبع فى ذهنى حين رأيت مجراه ، أن ما بين الضفتين لا يزيد على أربعمائة خطوة أو خمسمائة ، وكان تيار الماء من الضعف بحيث لا تكاد تتبينه.
وإذا مات لنساء عطبرة قريب عزيز حلقن رءوسهن حدادا عليه ، وهى عادة جرى عليها كثير من القبائل العربية المشتغلة بالفلاحة فى صعيد مصر. والثأر قانون البشارية الذى لا يعرفون فيه هوادة على ما علمت ، وقبائلهم لا يفتر لها حرب ولا قتال ، وأعداء جنسهم الشكرية من ناحية والهدندوة من ناحية أخرى. وجيران الحمداب الساكنين عطبرة هم قبيلة بنى كرب فى مصعد النهر صوب قوز رجب ، وقبيلة البطراب ، وكلاهما بشارى. ويزرع الحمداب شطئان عطبرة الدانية حتى ملتقاه بالمقرن ، وبعد هذا الملتقى تبدأ أملاك الجعليين. وتقطع المسافة من هناك إلى بربر فى أربع مراحل طوال ، ولكن الدرب لا يكاد يطرقه أحد ، فلا تعدو البلاد التى يتصل بها القوم شندى وقوز رجب والتاكة وبشارية الجبال الواقعة إلى الشمال منهم.
وبعد أن مكثنا بعطبرة ثلاثة أيام أو أربعة جبى المك ضريبة المرور من كل فرد حسب عدد عبيده. ويؤدى عن العبد ثوب دمور ، ومثله عن كل حمل مهما احتوى ،