وحدها. على أن ما
يبعثه السودان منهم إلى مصر وبلاد العرب لا يعدو ـ فى رأيى ـ أن يكون نسبة ضئيلة
مما يقتنيه المسلمون فى السودان نفسه ، أو مما يجمع سنويا من مواطن الرقيق فى قلب
إفريقية سواء بالشراء أو الخطف. وقلّ أن تجد فى بربر أو شندى بيتا لا يقتنى عبدا
أو اثنين ، وأكثرها يقتنى خمسة أو ستة يفلحون الحقل ويرعون الماشية الخ .. ويقتنى
الأمراء والأغنياء العشرات منهم. وهذا النظام نفسه تجده متبعا فى أعالى النيل حتى
سنار ، وفى الغرب حتى كردفان ودارفور وبورنو ، كذلك تقتنى قبائل البدو المحيطة
بهذه الأصقاع العدد الغفير من العبيد .. وإذا قدرنا عدد هؤلاء الأرقاء ـ قياسا على
عدد من يقتنيهم السكان على ضفاف النيل (ولو أن الجلابة أكدوا لى أن الرقيق فى هذه
الأصقاع البعيدة أوفر عددا منهم حتى فى شندى) ـ ظهر لنا فى جلاء أن الوارد منهم
لمصر وبلاد العرب والمغرب قلة ضئيلة بالنسبة لمن يقتنيهم أهل السودان نفسه. وأعتقد
ـ استنادا إلى ما شهدته بعينى فى بربر وشندى ـ أن عدد العبيد والجوارى على ضفاف
النيل من بربر إلى سنار لا يقل عن اثنى عشر ألفا. أما دارفور ـ وسكانها حسب تقدير
مستر براون مائتا ألف نفس ـ فلعل العبيد فيها يبلغون عشرين ألفا. وهناك إجماع على
أن نسبة العبيد لا تتناقص عن هذا كلما أوغلنا غربا فى أقطار دار صليح وبورنو
والباقرمى ومملكتى عفنو وهوسا ـ وكلها بلاد غاصة بالسكان.
وما من شك فى أن
الجهود المشكورة التى تبذل فى أوربا ـ وفى انجلترة على الأخص ـ للقضاء على النخاسة
ستؤتى فى أوانها ثمرا طيبا لبلاد الزنج الواقعة فى غرب إفريقية وجنوبها الغربى ،
وهى المواطن التى تزود إلى اليوم الجلابة الأوربيين بالعبيد. على أننى لست أرى
بارقة أمل فى محو النخاسة فى قلب إفريقية نفسها. ولو أن منافذ السودان كلها سدت فى
وجه تجارة الرقيق ، ولو حظر على القوافل التى تحملهم اليوم إلى مصر وبلاد العرب
والمغرب أن تحملهم ، لظلت النخاسة برغم ذلك شائعة فى السودان ذاته. ذلك أنه ما دام
السودان ملكا للمسلمين ـ ومعلوم أن دينهم يدفعهم إلى مقاتلة الزنوج الوثنيين ، وأن
مطالب العيش عندهم تقتضى المدد المتصل