تعليماتي. وعلى أية حال لم يحدث شيء خطير في هذه الليلة نتيجة تأخرنا عن التخييم وكنت أعرف هذا ، وهكذا حملت المسؤولية على عاتقي ورفضت التوقف تحت تلال (سيهراني) وكان الرجال قد تأخروا بسبب جدالهم الشديد حول إنزال الأمتعة ، وتقدمت الركب ومعي «صالح» محاولين إيجاد أرضا منبسطة على وادي (سرتابي) وظهر لنا هذا المكان بوضوح في الظلام الدامس ، وبعد ذلك وجدنا الماء ووجدنا كومة من الأخشاب ملقية هناك أيضا. وبعدها ترجلنا وجلسنا بالقرب من أشجار (السمر) (١) وبدأ «صالح» بعمل الشاي ، وقام «غلام» بربط الأرجل الخلفية للجمال ، وانتزع اللجام منها ، وبعد قليل رأينا «جلالا» قادما من على بعد جارا حماره من خلفه بقوة وهو يشتم دليلنا في هذه الرحلة على المصاعب التي كبّدها لنا وابتهجت أساريره فجأة عند ما علم أننا نود أن نخيّم هنا ، وقال بلهجة متسارعة : «نعم يا صاحب ، إنه مكان ممتاز ، به الماء ، وخشب للنار ، وعلف للحيوانات». وفي خلال دقيقتين قام بربط حماره في شجرة صغيرة وقدّم له بعض الحشائش والتمر ، ثم قال : «خيمتك هنا يا صاحب وهنا تكون خيمة الطباخين». وظل يلّح على «صالح» حتى أخذ منه النرجيلة من حقيبة السرج ، مع قليل من التبغ ، والبلوش يموتون في سبيل التدخين خاصة إذا كانوا مجهدين ، فما بالك ب «جلال» الذي أصبح كبيرا في السن ويظهر عليه التعب بسرعة.
بعدها سمعنا هرجا ومرجا من الرجال وهم يسوقون الجمال أمامهم خاصة الجمل العجوز «إبليس» الذي كان يتقدّم بخطوات سريعة من صناديق الطباخين الثقيلة معلنا عن وصوله بزمجرة عالية ليؤكد لنا أنه برغم كل هذه
__________________
(١) أشجار (السمر) : هي أشجار منتشرة بكثرة في منطقتنا بعمان والإمارات وهي ذات أشواك كثيرة وهي مختلفة عن شجر «الغاف».