جاءَها أبي فسلّمَ على الباب ، ثمّ دخل وبينها وبينهُ حجَابٌ فذكرت له بعض الامر ولم تشرحهُ له ، فلما أمسينا بعثنا الى عائشة واستأذنا عليها فأذِنتْ لنا ، قالت كبشة : فدخلتُ في نسوة من الانصار فحدثتنا بمخرجها وأنها لا تظنُّ الامر يبلغُ الى ما بلغَ.
ثم قالت : لقد عُمِلَ لي على هودجِ جملي (١) ، ثمّ ألبسَ الحديد ودخلتُ فيه ، وقمتُ في وسطٍ من الناس أدْعو إلى الصُلْحِ والى كتاب اللهِ والسنة ، فليس أحدٌ يسمع مِنْ كلامي حرفاً ، وعجَّلَ من لقينا بالقتال ، فرموا النبل وصرعتُهُم القومُ فلا أُدْرك حتى قُتِلَ من أصحاب عليِّ رجلٌ أو رجلانِ ، ثمّ تقاربَ الناسُ ولحُمَ الشرّ فصار القوم ليس لهم همّةٌ إلا جملي ، ولقد دخلتْ عليَّ سهامٌ فجرحتني ـ فأخرجت ذِراعها وأرتنا جرْحاً على عَضُدِها فبكتْ وأبكتنا ـ قالت : وجعل كلّما أخذ رجلٌ بخطام جملي قُتلَ ، حتى أخذهُ ابنُ أُختي عبدالله ، فصحتُ به وناشدتهُ بالرحمِ أنْ يتجافاني.
فقال : يا أُماه ! هو الموتُ ، يُقتلُ الرجلُ ـ وهو عظيم الغِنى عن الأصحاب ـ على نيته خيرٌ مِنْ أنْ يُدْرك وقد فارقتهُ نيتهُ.
__________________
(١) روى بن ابي سبرة ، عن علقمه بن ابي علقمة ، عن ابيه ، قال : جعلنا الهودج من خشب فيه مسامير الحديد ، وفوقه دروع من حديد ، وفوقها طيالسة من خز أخضر ، وفوق ذلك أدمٌ احمرُ ، وجعلنا لعائشة منه منظر العين ، فما أغنى ذلك من القوم.
انظر : الاخبار الطوال : ١٤٩ ، الفتوح م ١ : ٤٨٨ ، مناقب الخوارزمي : ١٨٨.