ومن نظر فيما احتوى عليه غواص خاطره مستخرجا من أصداف فكره من الدرر وابرزه خازن أعلاق ذخره من الغرر التي من وفى بفهم مغزاها وأدرك ما يتضمنه مبناها [و] معناها [ظ] فقد برز وحاز قصب الكمال وأحرز ، اعترف لي بما لو حب فيض من فيضه مخافة التطويل مع انه في ذكر مثله محبوب والاكثار مما هو محبوب مطلوب.
وقد تقدم ذكر بعض أسلافه الصدور والغطاريف في مواضع من هذا التصنيف ، وسيأتي ذكر الأخلاف في مواضع.
ومن خصائص هذا الصدر حسن اعتقاده في مذهب السنّة والجماعة ضمّا إلى كرم ميلاده والتفاخر فيما بين الامراء من أولاده ، وتزيين مجلسه بإلقاء المسائل والغوص على استنباط الفوائد ، وتهدّيه فيما يجري من كل فنّ إلى استخراج المعاني من مظانها ، وتغلغل آرائه في أساليبها ، مشحوذة بمسانها حتّى كأنه استفرغ جلّ أوقاته في ذلك الفنّ. مع أنّه غير متفرّغ إلى ممارسته في غالب الظن ، كل ذلك لما [ظ] جمعه الله من موجب الصفاية [ظ] السابقة ، وخصّه به من الكفاية اللاحقة ، فلا يخلو بابه من الزوار والعفاة ولا جنابه عن الأصناف من الأئمة والقضاة ، فينصرفون عنه بالرغائب ملء الحقائب ويملون الأملاء بالأبينة الفايحة والأدعية الصالحة ، مضافا إلى رغبة في سماع الحديث وطلبه ، وتحصيل كتبه ، وحضور مجالسه ، واحراز نفايسه.
ولا شك أنه سمع من الأولين من مشايخ الطبقة الثالثة ، وأدرك أصحاب أصحاب الأصم مثل ما عهدناه يحضر مجالس المتأخرين ، فان ظفرت بشيء من ذلك ألحقته مع لمع من مقطعاته الفايقة ، وجوايد أشعاره الرايقة.
ولقد طالعت ديوان شعره الذي يبلغ مجلدات [٢٦ ب] فما أمكنني انتخاب بعض منه لحسن كله ، إذ لا يمكن اختيار الأحسن مما كلّه حسن ، ووجدت فيه من القصائد الطوال ما يبلغ كل واحدة المئة ، فما فوقها من الأبيات في المعارضات والتشبيهات.
فمما قرأت بخطه أنه قال : رأيت بعض الناس في المنام أني أرى الشعراء ، فسأل بعض بعضا عن أمدح ما قالوه وأنسب ما قالوه وأنا أريد أن اسألك عن أمدح ما قلت؟ فقلت له : أمّا أنا فلست بمادح ، ولكني أذكر أبياتا ثلاثة أراها أمدح ما قلت. وذكرت هذه الأبيات :
ما إن يجود بشحّ نفسه أبدا |
|
والشح بالشح أقصى غاية الكرم |