وأمّا ما قدمناه من الآثار : فبناء إبراهيم عليهالسلام أول مبنى بالنسبة إلى من بناه بعده ، لا أول حقيقة ؛ والله أعلم.
قال الأزرقى (رحمهالله تعالى) فى تاريخه ، عن ابن إسحاق : أن الخليل عليهالسلام لما بنى البيت جعل طوله فى السماء سبعة أذرع ، وجعل طوله فى الأرض من قبل وجه البيت الشريف من الحجر الأسود إلى الركن الشامى : اثنين وثلاثين ذراعا ، وجعل عرضه فى الأرض من قبل الميزاب من الركن الشامى إلى الركن الغربى ؛ الذى يسمى الآن : الركن العراقى : اثنين وعشرين ذراعا ، وجعل طوله فى الأرض من جانب ركن ظهر البيت الشريف من الركن الغربى المذكور إلى الركن اليمانى : إحدى وثلاثون ذراعا ، وطول عرضه فى الأرض من الركن اليمانى إلى الحجر الأسود : عشرون ذراعا ، وجعل الباب لاصقا بالأرض غير مرتفع عنها ولا مبوب ، حتى جعل لها تبع الحميرى بابا وغلقا بعد ذلك.
وحفر إبراهيم عليهالسلام فى بطن البيت عن يمين من دخله حفرة لتكون خزانة للبيت يوضع فيها ما يهدى إلى البيت ، فكان إبراهيم عليهالسلام يبنى وإسماعيل عليهالسلام ينقل له الحجارة على عاتقه.
فلما ارتفع البنيان قرب له المقام ، فكان يقوم عليه ويبنى ، ويحوله إسماعيل عليهالسلام فى نواحى البيت حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود.
فقال إبراهيم لإسماعيل عليهماالسلام : يا إسماعيل ، إئتنى بحجر أضعه هنا ، يكون علما للناس ، يبتدءون منه الطواف ، فذهب إسماعيل فى طلبه ، فجاء جبريل عليهالسلام إلى سيدنا إبراهيم عليهالسلام بالحجر الأسود ، وكان الله عزوجل استودعه جبل أبى قبيس حين طوفان نوح ، فوضعه جبريل فى مكانه ، وبنى عليه إبراهيم عليهالسلام ، وهو حينئذ نور يتلألأ ، فأضاء بنوره شرقا وغربا وشمالا ويمينا إلى منتهى أنصاب الحرم فى كل ناحية ، وإنما سوده أنجاس الجاهلية وأرجاسها.