ووصل لهذه العمائر الشريفة معمار دقيق الأنظار ، جليل الأثار ، تقدم له مباشرة الأبنية العظيمة ، وحصل له بالتجربة خيرات تامة ، ومعرفة مستقيمة ، اجتمع المهندسون على تقدمه فى هذه الصناعة ، ودقة نظره فى لوازم هذه الصناعة ؛ اسمه محمد المعمار جاويش الديوان العالى.
وهو إنسان من أهل الخير ، عظيم الأمانة ، كثير الديانة ، مستقيم الرأى ، منور الباطن ، مشكور السيرة ، زاده الله تعالى توفيقه ، وأرشد طريقه ، فاتفق الناظر والأمير والمعمار ، على الشروع فى هدم ما يجب هدمه ، إلى أن يوصل إلى الأساس ، فشرع أولا فى إكمال الذيل المستقل ، لإجراء عين عرفات ، ونكب فى جدره وبناه من جهة المدعا ، ثم مر به فى عرض ، ثم إلى جهة شرقية ، ثم عطف بها إلى السوق الصغير ، وأكمله إلى منتاه.
وبنى قبة فى الأبطح ، جعل فيها مقسم ماء عرفات ، وركب فى جدره بزابير من نحاس ، يشرب منها الماء ، ثم بنى مسجدا وسبيلا ، وحوض ماء للدواب على يسار الصاعد إلى الأبطح فى قيلة بستان بيرم خواجا ، الصائر إلى المرحومة الخاصكية أم السلاطين ، طاب ثراها ، وبنى مسجدا آخر ، وسبيلا ومتوضئا فى انتهاء سوق المعلاة فى يسار الصاعد ، وكل ذلك من الأعمال الجارية النافعة للمسلمين.
وعرض ذلك على أبواب السلطنة الشريفة ؛ فأنعمت على الأمير المشار إليه بسبعين ألف عثمانى ، ترقيا فى علوفته ، فى مقابلة هذه الخدمة ، ثم شرع فى تجديد أروقة الحرم الشريف ؛ فبدأ فيه بالهدم من جهة باب السلام ، من منتصف ربيع الأول سنة ٩٨٥ ه ، وأخذت المعاول تعمل فى رأس مشرفات المسجد وطبقات سقفه ، إلى أن انكشف السقف ؛ فنزل أخشابه إلى الأرض ، ويجمع فى صحن المسجد الشريف ، وتنظيف الأرض من نقض البناء وأتربته ، ويحمل على الدواب ، ويرمى فى أسفل مكة ، وفى ناحية جبل الغو ، ثمي أقام الأساطين الرخام ، إلى أن ينزل باللطف إلى الأرض.
واستمروا فى هذا العمل إلى أن نظفوا وجه الأرض من ذلك ، من باب