فانتشرت هذه الأخبار المدهشة ، والأشياء المظلمة الموحشة ، إلى أن وصلت إلى أبواب سلطان سلاطين الإسلام ، ظل الله الممدود على مفارق الأنام ، مالك صفوة الملك ، من الذروة إلى الغارب ، ملك الملوك من مشارق الأرض إلى المغارب ، واسطة عقد ملوك آل عثمان ، المشمول شمول الرحمة والمكرمة والغفران السلطان سليم خان سقى الله عهده صوب الرحمة والرضوان ، وأبقى السلطنة فى عقبه إلى انتهاء الزمان.
فلما طرق سمعه الشريف هذا الحادث الرجيف ، وعلم ما أصاب الإسلام من هذه المصائب العظام والامتهان الذى قصم الظهر وأوهن العظام ، استشاط غيظا وغضبا ، واضطربت نار حميته ، وتأججت لهيبا ، وتحركت العصبية الإسلام ، والتهبت نيران الحمية العثمانية ، وقام وقعد ، وأرغى وزبد وأبرق وأرعد ، وهدد وأوعد ، وخاطب الخطباء العظام ، والبكلاربكية الكبراء الفخام ، وقال : من يقدم منكم على نصرة الإسلام ، وإذلال الصليب والأصنام ، ويستنقذ من أسر من المسلمين ، بيد أولئك النصارى الطغام ، ويخرجه من عهدة الكفار الفجرة اللئام.
فبادر الوزير المعظم والليث الغشمشم صاحب السيف والقلم ، فاتح ممالك اليمن الأيمن ، أبو الفتوحات ، سنان باشا المفخم ، لا زالت ألوية نصرة منشورة الذوائب ، مشرقة كالشمس ، يغشى ضؤها المشارق والمغارب ، صاعدة إلى أفق السماء ، حتى تزاحم مناكب الكواكب ، وقال :
أنا السيد هذه الخلة ، أنا لها أفرج كربها ، وأفتح مقفلها وأصلح خللها ، وأزيل عللها ، ولم يدخرنا السلطنة الشريفة الخاقانية ، ولا رتبنا العواطف الكريمة العثمانية إلا لبذل أرواحنا وأموالنا ، فى مثل هذه الحوادث ، وندفع عن المسلمين ما يصابون به من المصائب والكوارث.
فقابله السلطان الأعظم بالشكر منه والثناء عليه ، وشرف الالتفات الشريف السلطانى إليه ، وجعله سد دار العسكر المنصور ، وأمره بالتوجه إلى قهر النصارى المقهورة ، وأمره أن يتوجه معه لمساعدته ومعاونته ، ودفع ملالته وسأمته ، وضبط العساكر البحرية ، وترتيب السفائن البحرية ، قابودان الباب