وكان بنى السلطان سبيلا على يمين الداخل إلى خان البزار على المسعى يقال له : العلقمية ، وكان أمامه إلى جهة القبلة بالمسعى سبيل قديم للقاضى شهاب الدين الطبرى على يسار الذاهب إلى المروة ، فأشار الخواجا شمس الدين بن الزمن والمهندس أن يهدم هذا السبيل حتى تظهر عمارة السلطان وسبيله فهدم ، وصار المسعى مكشوف ، وعمارة الخان والسبيل ظاهرة.
وسافر السلطان فى ظهر يوم بالسبت لأربعة عشر ليلة خلت من ذى الحجة بعد أن طاف للوداع والريس يدعو له على قبة زمزم ، ومشى القهقرى إلى أن خرج من باب الخسرون وركب معه السيد الشريف محمد بن بركات وأولاده ، وقاضى القضاة إبراهيم بن ظهيرة إلى الزاهر ، ثم زودهم ووادعهم ، وسار إلى مصر وعاد إلى مملكته ، ولم يختل عليه شىء من أمر ملكه من غيبته من تحت سفره مدة الحج ، وهى نحو ثلاثة أشهر ، وذلك لإتقانه أمر المملكة وتدبره ، وضبطه رحمهالله.
وكان واسطة عقد ملوك الجراكسة وأقربهم إلى قلوب الرعية فى اللطف والمؤانسة وأجملهم جمالا وإجمالا ، وأحسنهم إحسانا ، وأفضلهم أفضالا ، وأكملهم عقلا ، ونبلا واعتدالا ، وأكثرهم فى جهات الخيرات إيثقارا وثاثا ، وأكثرهم عمائرا وقافا وأدورا طولهم طولا وزمانا ، وأملكهم ملكا وقوة وإمكانا ، وكانت أيامه كالطراز الذهب ، ودولته تتجلى كالعروس فى حلل الجوهر والذهب.
وعاشت الرعية فى أيامه عيشا رغدا ، وظهرت العلماء فى أيامه فكثروا ونموا ، فصاروا نجوم الهدى إلى أن انتبه الزمان الجائر ، واستفضيت له عيون صروف الليالى العواثر ، ودارت عليه ـ كما دارت على من قبله ـ الدوائر ، وهذا شأن الدنيا الدنية فى أبنائها الأصاغر والأكابر ، ودأبها فى السلاطين والملوك الغوائر ، والبقاء والدوام لله عزوجل القدير القاهر ، فقدم على قايتباى بريد أجله ، وما أغنى عنه ما جمعه من حيله ومن حوله ، ولا منع شىء من حوله فأقدم على ما قدم من صالح عمله وترك ما خوله من متاع الدنيا وراء ظهره ، وأورج فى أكفان أعماله بعد ما غسل بدموع فقره ، وأنزل