وأعد لذلك أموالا عظيمة ، فاشترى القاضى جميع ما كان من المسجد الحرام والمسعى من الدور ، فما كانت من الصدقات والأوقات للمسجد بدلها دارا فى فجاج مكة ، واشترى فى كل ذراع فى مثله ، فما دخل فى المسجد بخمسة وعشرين دينارا ، وما دخل فى مسيل الوادى بخمسة عشر دينارا ، وكان مما دخل فى ذلك الهدم دار الأزرقى ، وهى يومئذ لاصقة بالمسجد الحرام من أعلاه على يمين الخارج من باب بنى شيبة ، وكان ثمن ناحية بها ثمانية عشر ألف دينار ، وكان أكثرها دخل فى المسجد الحرام فى زيادة عبد الله بن الزبير رضياللهعنه ، ودخلت أيضا دار خيرة بنت سباع الخزاعية ، وكان ثمنها ثمانمائة وأربعين ألف دينار دفعت إليها ، وكانت شارعة على المسعى يومئذ قبل أن تؤخر المسعى ، ودخلت أيضا دار لآل جبير بن مطعم ، ودار شيبة بن عثمان ، اشترى جميع ذلك ، وهدم وأدخل فى المسجد الحرام.
وجعل دار القوارير رحبة بين المسجد الحرام والمسعى ، ثم استقطعها جعفر البرمكى من الرشيد لما آلت الخلافة إليه ، فبناها دارا ثم صارت إلى حماد البربرى فغمرها ، وزين باطنها بالقوارير وظاهرها بالرخام والفسيفساء.
قلت : وتداولت الأيدى عليها بعد ذلك إلى أن صارت رباطين متلاصقين ، أحدهما كان يعرف برباط المراغى ، والثانى كان يعرف برباط السدرة ؛ فاستبدلهما السلطان قايتباى ، فبناهما مدرسة ورباطا فى سنة ٨٨٣ ه ، ووقف عليها مسقفات بمكة ، وأقطاعا بمصر ، وهو باق إلى الآن صدقة جارية على سكانها ، غير أنه شرع فى أوقافه الخراب لاستيلاء الأيادى الحادثة عليها ، عمر الله عمرها وأحسن نظرها.
وهذه الزيادة الأولى للمهدى فى أعلى المسجد ، كذلك فى أسفله إلى أن انتهى به باب بنى سهم ، ويقال له الآن باب العمرة ، وإلى باب الخياطين ، ويقال له الآن باب إبراهيم ، وكذلك زاد من الجانب الشامى إلى منتهاه الآن ، وكذلك زاد فى الجانب اليمانى أيضا إلى قبة الشراب وتسمى الآن : قبة العباس ، والى حاصل الزيت.
وكان بين جدار الركن اليمانى ، وجدار المسجد الحرام الذى يلى الصفا