وقد أوصى مهبوذ أحد حكماء الفرس بعض ملوكهم فقال : اتخذ من نصحاء علمائك مرآة لطباعك ليجود بها رأيك فأنك الى صلاح طباعك أحوج منك الى تحسين صورة وجهك ، والعالم الناصع في تعريف المخبر أصدق من الجديد المجلو في تبين النظر. وقد قال شاعر من شعراء العرب :
وما كل ذي لّب بمؤتيك نصحه |
|
وما كل مؤت نصحه بلبيب (١) |
ولكن اذا ما استجمعا عند واحد |
|
فحقّ له من طاعة بنصيب |
فاذا عرف الملك سلامة من يشاوره من هذه الشوائب التي وصفنا ، وشاوره فيما يحتاج اليه ، طالبه بالدليل على أن يكون الذي يرتئيه وينص عليه هو الصواب دون غيره ، فاذا أتى بالحجة في انه أصوب الوجوه التي يوجها الرأي ميز (٢) الملك ذلك بعقله ، ووزنه بمعيار نظره واعتباره. فأن الملك عند فعله ما قدمته اذا أتمن انسانا كان امينا ، واذا استنجد رجلا كان نجدا واذا استكتب كاتبا واتخذ صنيعا من سائر صنوف أصحاب الصناعات والمهن ، كان في معناه بليغا سديدا ، وتحصل له جمهور ما يعلمه على حقه وصدقه وصوابه وتظهر أفعاله متعجبا (٣) منها مفضلا بها بينا فيها (٤)
__________________
(١) هذه الابيات لابي الاسود الدؤولي. وجاء البيت الاول في ديوانه بشكل مغاير لما ذكر. كالاتي.
فما كل ذي نصح بموتيك نصحه |
|
ولا كل مؤت نصحه بلبيب |
أنظر : ديوان أبي الاسود الدؤلي ـ شرح وتحقيق عبد الكريم الدجيلي ص ٢٠٨ ط ١ ، سنة ١٩٥٤ م.
(٢) في س : تميز.
(٣) ليست في س ، ت.
(٤) في س ، ت : فيهما.