ونتناول طعامنا في السفينة. وعند بلوغنا قرية ما ، كنا نبعث بخدمنا إلى الضفة لشراء الطعام الذي نحصل عليه بقيمة زهيدة جدا. أما المدن التي مررنا بها فهي : العمارة (١) (Amurat) وفيها قلعة مشيدة باللبن. والشطرة (Satarat). والمنصوري (Mansoury) وهي بلدة كبيرة. والمجر (Magar). والعزير (٢) (Gazer). والقرنة (Gorno). ويقترن الفرات بدجلة عند هذه المدينة الأخيرة التي فيها ثلاث قلاع : الأولى في ملتقى النهرين وهي أحصنها ، فيها يقيم ابن أمير البصرة الذي يحكمها. والثانية في جانب كلدية. والثالثة في جانب بلاد العرب. ومع أنه يطالب هناك بالرسوم الجمركية بتمامها فتدفع ، فإنهم لا يفتشون أي شخص. ويصل مد البحر إلى هذا المكان. ولما كان أمامنا خمسة عشر فرسخا إلى البصرة ، فقد وصلنا إليها بسبع ساعات لأن الريح والمد ساعدانا على ذلك.
تبعد بغداد عن البصرة مائة وستين فرسخا ، وكل الأراضي الممتدة بينهما تتشابك فيها القنوات وتقسمها على نحو ما يرى في البلاد الواطئة (٣). ولا شك ان هذه الأراضي من أحسن ما يمتلكه السلطان ، لاشتمالها على مراع واسعة ومروج نضيرة يربى فيها عدد كبير من الحيوانات ، خاصة الأفراس والجواميس. ومدة حمل الجاموس اثنا عشر شهرا ، وهي تدر حليبا وافرا جدا ، حتى ان بعضها يدر اثنين وعشرين بنتا (٤) في اليوم ، وتستخلص منه مقادير وافية من الدهن. وقد وجدنا ذات مرة في بعض قرى دجلة خمسا وعشرين سفينة موسقة بالدهن الذي يبيعه أصحابه في بلدان الخليج الفارسي ، بكلا جانبيه العربي والفارسي.
__________________
(١) يقول لسترنج إنها «كوت الإمارة». راجع : بغداد في عهد الخلافة العباسية (ص ٨ من الأصل الإنكليزي ، وص ١٦ من الترجمة العربية).
(٢) يذهب بعض الباحثين إلى ان العزير هو قبر عزرا الكاتب صاحب «سفر عزرا» أحد أسفار التوراة.
(٣) اي بلاد هولندا وبلجيكا.
(٤) البنت بالباء المثلثة المكسورة (Pint) يساوي ٨ / ١ الجالون.