ان نهر دجلة بعد ان يتلاشى ويضمحل جدا .. يعود ليسترجع قواه الضائعة وانحداره الجارف ، فيسير متبخترا وسط صفوف من النخيل والاشجار المثمرة المختلفة ، وتقوم على جانبيه قرى صغيرة وقلاع متناثرة شيدت باللبن ، من هذه القرى (١) : بني (خالد؟) Beini والدكة Dechi و (؟) Amma والمنصورية (او بني منصور؟) والقلاع Cala او مدينة محمد بن السلطان (لعلها ديار بني محمد!) Mametto figlio del Soldano والمدينة Medina وتقابلها الفتحية او الفتحة Elfataia واخيرا القرنة Gorna حيث يلتقي دجلة بالفرات ، بعد ان يخلفا بحيرات (اهوارا؟) واسعة على طريقهما ، واخيرا يتنازلان عن اسميهما ، ليتخذ النهر الجديد المتكون من اتحادهما اسما جديدا هو حسبما يذكر حزقيال نهر «كوبار» (٢) في شط العرب ، وهو بالحقيقة نهر عظيم ، وجدير بالملاحظة ان هذا النهر في انحداره نحو البحر يحافظ على مياه دجلة عن يساره وعلى مياه الفرات عن يمينه.
قرر القبطان ان يتقدم الى البصرة ليدفع ضريبة المكس عن البضائع التي يحملها في قاربه ، وعن الاخرين ، لكن الرياح هبت بقوة فمزقت الشراع من اعلاه الى اسفله ودفعتنا بعيدا ، فجاء رجال الكمرك هناك ليستوفوا الرسوم ، ولم يلقوا نظرة الى امتعتنا ، فقد اعتبرونا دراويش فرنجيين ،) وهذه عادة الكمارك العثمانية في معاملتها رجال الدين).
تحيط القرنة اسوار شيدت باعتناء بالغ (٣) ، لكنها ليست ذات شأن لأنها
__________________
(١) ان هذه القرى هي الجزائر المتكونة من سواعد شط العرب : علي ظريف الاعظمي : تاريخ البصرة ص ١٣٠ في الهامش ، علي الشرقي : الجزائر : لغة العرب ٤ (١٩٢٧) ٥٢٦.
(٢) يلمح المؤلف الى نبوءة حزقيال ١ : ١ في الكتاب المقدس حيث قال «في السنة الثلاثين ... وانا بين الجلاء على نهر كبار ...».
(٣) يقول الاعظمي في سياق كلامه على الحرب بين حسين باشا والي البصرة ومرتضى باشا والي بغداد سنة ١٠٦٣ ـ ١٠٦٤ ه «فاستعد (حسين باشا) للحرب وحصن القلاع خصوصا قلعة القورنة» المرجع نفسه ص ١٣١.