الفصل الواحد والثلاثون
السفر الى بغداد ـ اعتقالي في العمارة
بعد ان ذهب الصيف وولى وتخلصنا من حره اللاهب ، الذي لم يعطنا مجالا للاستراحة ولاسترجاع قوانا ، قررنا السفر ، فركبنا في العاشر من ايلول دانكا يدفع باربعة مجاذيف ، وكان السفر متعبا للجسم والنفس ، فقد كان رقادنا قليلا ، اذ نضطر إلى التناوب في الحراسة خوفا من هجوم الاعراب او الاسود ، فقد سمعنا زئيرها في احد الايام قريبا جدا منا.
في التاسع عشر من ذلك الشهر وصلنا الى الحي ، فمكثنا فيها يومين ، امضيناهما في غرف احد المساجد ، لكننا لم نذق طعم الراحة لكثرة الذباب ...
كان من المنتظر ان يرسل قادر باشا (١) احد خدامه الى هذه البلدة يرافقنا الى بغداد ، فيعد الخيول ويصرف علينا كل الضروريات ، وبالرغم من أن هذا الرجل كان مرموقا وشهما ، فقد نال الطمع من قلبه ، فعوضا عن الخادم المنتظر ، عهد بنا الى جندي انكشاري كان مسافرا الى بغداد ، فصعد معنا على القارب دون اي يدفع لنا فلسا واحدا ، كما ان الجندي قدم لنا خيلا من جنس رديء ، كان يسوسها مكاري صغير السن قليل الخبرة لكنه سليط اللسان ، وقد طلب مني ، دون مقدمات ، ان ادفع ثمن الحصان للحال ، مدعيا ان الاتفاق «مع قادر باشا» لم ينص على هذا العدد من الخيول ... فسرنا في طريق
__________________
(١) قادر باشا : ذكره المؤلف في الفصل السابق (الرحلة ص ٢١٨) فقال عنه (هو من الاشخاص المسلمين المرموقين (في البصرة) ، قدم لنا دانكا يحملنا الى الحي ، ومن هناك نسافر الى بغداد بطريق البر. فيكون السفر ابدع واكثر امنا ، وذلك لقاء ٣١٥ عباسية ، وبشرط ان لا ندفع اي ضريبة اخرى».