كانت ملابس القوم كلهم زاهية بهيجة ، وقد أثّر في منظر البك كثيرا ، فلم يكن ضخم الجثة بل مربوعا قوي البنية ، وكانت تقاطيع وجهه متناسقة غاية التناسق ، ولحيته سوداء مجعدة وعيناه زرقاوين غامقتين ، وحاجباه سوداوين وأهدابه سوداء ، وسحنته سحنة رجل خفيفة السمرة وردية جميلة نقية. لقد كان بوجه عام شابا وسيما جدّا ، ويقال عنه إنه لا يضاهيه من أبناء قومه أحد في الفروسية وفي التمارين العسكرية المفضلة لديهم وهو مشهور أيضا بشجاعته وكرمه ، ومن الناحية الأخرى يقال عنه أيضا إنه فاسق في أخلاقه مستبد في ميوله إلى حد ما.
لقد بادرني بحديث رقيق غير متكلف ينم عن بعض الإخلاص دون أن يكون أي أثر للخشونة والفظاظة فيه وقد ألفته مهذبا في سلوكه ، كما شعرت أنه كان مدرك لميزاته الشخصية. وكان يرتدي أفخر الملابس التي تتفق والذوق الكردي ، فرداؤه من القماش الهندي الفاخر المزوق بالأوراد الذهبية ، وغطاء رأسه من الشال الكشميري المزين بالأهداب الذهبية أيضا وقد وضعه وضعا مرتخيا غريبا ، أما رداؤه الخارجي فكان معطفا أو جبة من القماش القرمزي الفينيسي (البندقي) ذا أزرار ذهب ، وكان عمر عثمان بك اثنتين وثلاثين سنة ، أما عمر أخيه الباشا فخمس وثلاثون سنة. وأمهما أخت خالد باشا وهي كذلك من سلالة عائلة ال (به به) الرئيسة (١).
وكان عثمان بك يميل إلى التكلم عن شؤون البلاد الكردية بحرية جاوزت الحد الذي أردت تشجيعه عليه ، وكان من السهل الإدراك أنه لم يكن من الميالين إلى الأتراك. وكان ينظر مرارا عديدة إلى ساعته خلال
__________________
إذا ما قسناه بنقودنا العراقية الحالية يساوي (١١) فلسا باعتبار الدينار ذهبا. فال (١٣) ألف قرش تساوي نحو (١٤٣) دينارا ذهبيّا ، أو باونا استرلينيّا كذلك ذهبا ...».
وقد علم المترجم أن التاجر الذي يذكره الأستاذ المحترم هو جده.
(١) هذا اسم عشيرة باشا السليمانية ، وقد ورثوا ذلك من جدهم (به به سليمان).