الموحشة. وقد شعرت بانبعاث حيوية جديدة في كياني ، وزال عني قلقي الممض ، وقنوطي الممل رويدا رويدا ، كما تزول غيوم الليلة العاصفة فانتعشت في آمال عذاب ، وتجدد في النشاط ، ولم أكن الوحيد الذي انبعث فيه كل هذا الإحساس بل إن قرينتي التي كانت قد انحرفت صحتها كثيرا ، دب فيها النشاط واستعادت قوتها أيضا عندما انتهت من سفرتها هذا اليوم ، وصار الكثيرون من الناقهين من حاشيتي يشعرون بزوال أعراض المرض عنهم بعد مسيرهم ساعة أو ساعتين بين التلال. وفي السابعة والنصف انحدرنا إلى واد يسيل فيه جدول صغير متدفقا بين الروابي ليصب بمياه (ليلان) ، وعندها طالعنا منظر هتف القوم له سرورا واغتباطا. وكان ثمة ساقية تدير طاحونة صغيرة ، يقوم على مقربة منها عدد من الأكواخ تحتضنها جميعا غابة من أشجار الحور والصفصاف والتين والإجاص وعليقات الورد ، وأغصانها مثقلة به. وكانت الغابة تعج بالبلابل وهي تمزج أصواتها بخرير مياه الساقية ؛ وعلى كلّ ليس في الكون أحد مهما كان قليل الإحساس أو عديمه ، إلا ويتأثر بمحاسن الطبيعة. وأرى أن السبب الأساسي في تخلي الكرد عن رؤسائهم وهم في شقوتهم هو خوفهم ، ونفورهم الشديدين من الهجرة من بلادهم إلى بادية بغداد الفظيعة. أما الأتراك الذين كانوا بمعيتي ، فقد كرهوا أن يغادروا الوادي دون أن ينعشوا الأنفس بكأس من القهوة يتناولونه في هذه البقعة الجميلة ، فلم أر ما يمنعني من النزول عند رغبتهم. وهكذا قضينا نصف ساعة ممتعة في هذا المكان المسمى ب (حسين إسلام) ، ثم اتجهنا نحو مضرب يوسف آغا وهو على مسافة نصف ساعة أخرى في وادي (ليلان) فوصلناه في الثامنة والنصف. لقد قطعنا مرحلتنا اليوم بساعتين ونصف ساعة ، عدا نصف الساعة التي اختلسناها للراحة. ويوسف آغا الحاكم الحالي لمنطقة (قه ره حسن) ، كرجي من أصدقائي القدماء وهو الشخص ذاته الذي كان يجيئني إلى مضربي بفرامين ورسائل داود باشا أثناء الثورة