خرجت صباح اليوم لمشاهدة الأطلال المسماة (زندان) (١) وهي تبعد مسافة خمسة أميال إلى الجنوب من المكان الذي نحن فيه. وفي منتصف الطريق إلى الأطلال حدث ما لم أكن أفكر به ، إذ طلب إليّ دليلي وهو معمار معروف من (شهربان) أن أعرج على جانب من الطريق لمشاهدة حصن قديم. وعلى هذا اجتزت قناة أو قناتين ، فإذا أنا أمام أطلال بلدة ساسانية لا تقل اتساعا عن (طيسفون) وكانت أسوارها على نفس النمط والطراز ، والمكان مملوء بالأنقاض والخرائب. إن هذا الموقع لا يبعد أكثر من مسيرة ربع ساعة عن (شهربان) ، بل إن حدود البلدة الشمالية أقرب من ذلك بكثير. وكانت أقسام السور الجنوبية والغربية ، وقد دخلنا المكان من هذا القسم الأخير ، بحالة جيدة ، وهي كبيرة الشبه بأسوار (سلوقية) و (طيسفون). ومع أن هذه الأطلال تعرف ببغداد القديمة (اسكى بغداد) فإن تاريخها يرجع إلى عصور ما قبل الإسلام. وتتذكرين بأنني قد عينت موقع (دستجرد) في (زندان) ، ولم أكن بعيدا عن الصواب في حدسي. فإنني أصبحت الآن أكثر اعتقادا بأن (اسكى بغداد) ما هي إلا أطلال تلك العاصمة الملكية (٢).
تقدمنا بالمسير وعثرنا على خرائب ساسانية أخرى. وفي منتصف الطريق إلى (زندان) بإزاء السيد (سلطان علي) لاحظت سورين ساسانيين متوازيين يمتدان إلى الشمال الشرقي والجنوب الغربي ، وهما على بعد ستمائة قدم من بعضهما ، ويبلغ طولهما مثل هذه المسافة تقريبا ، مثل أسوار سلوقية تماما ، ولاحظت آثار القصب بين كل طبقة من الطابوق.
__________________
(١) وتعرف بين الأهلين تارة ب (زندان كسرى) ، وتارة بقلعة (خسرو) وجاءت باسم (زندان كسرى) في رحلة المنشئ البغدادي لمترجمها الأستاذ عباس العزاوي ـ المترجم.
(٢) كانت (دستجرد) أحب قصور (كسرى برويز) ملك الفرس إليه ، أقام بها سنوات عديدة ، مؤثرا إياها على (طيسفون) عاصمة إمبراطوريته. والمؤرخ غيبن ـ بالكاف الفارسية ـ المعروف بدقة أوصافه الجغرافية التي تفوق أحيانا بوضوحها وصحتها