القهوة وجلسوا قليلا دون أن يظهر منهم ما يشير إلى تطفلهم في النفوس أو إلى أية بادرة مخالفة للسلوك بل كانوا أناسا مهذبين التهذيب العالي ؛ وقد انصرفوا بعد ذلك.
لقد صدرت الأوامر المشددة من الباشا بإنزال العقاب الصارم في من يقترب من مخيمنا ، مهما كانت منزلته إلا إذا أوفده هو ، الأمر الذي لم يهدف منه إلا تأمين راحتنا. وإلا كما يقولون ، وإنني أصدق حقيقة قولهم ، لأحاط بنا الرجال والنساء والأولاد طيلة النهار من الصباح حتى المساء ليتطلعوا إلى هذا المنظر الجديد عليهم.
بعد وصولنا بقليل ، وصل تاتار ، من استانبول ، قصد بغداد أولا هو لا يعلم برحيلنا منها في سفرنا هذا. والرزمة التي أتانا بها الساعي كانت تحوي نعي الملك في ٢٩ كانون الثاني ، ووفاة (دوق كه نت) في ٢٤ من الشهر ذاته. فتحت البريد وأنا ارتجف وقد استولى علي ، كما هي عادتي شعور الفرح الذي يمازجه الخوف ، وإنني جابهت الخيبة الكبرى إذ لم أعثر على الكتابات اليدوية المحبوبة ، بل حتى ولا على سطر واحد من خط (مردخ). لقد ضاق صدري للأمر إلى أن رأيت اسم والدي في أحد الجرائد اليومية الصادرة في أواسط شباط فارتحت قليلا.
ونظرا لوصول أخبار وفاة الملك ، كان يجب إعادة التاتار فورا. كما يجب علينا أن نتخلى عن لذة مطالعة الجرائد. لكن ذلك لم يمنعنا من إلقاء نظرة خاطفة على حقول أعداد جريدة (ايفنينك مه لس ـ Evening Mails) الصادرة حتى الرابع عشر من شباط ، وهذا ولا شك تاريخ متأخر إذا ما لاحظنا وصول البريد إلى بغداد ، وإرساله منها إلينا. لقد قطع التاتار المسافة بين بغداد وبين مكاننا الآن بأربعة أيام بطريق (سه كيرمه) وهو أقصر طريق ، وفي بلاد مجهولة تقريبا ووحشية. قرأنا الخطب القيمة التي ألقاها والدي العزيز في تأييد لائحة قانون الرقع والطوابع التي نرجو أن يكون قد نجح فيها لتحقيق المصادقة على هذه