استأنفنا المسير في السادسة والنصف تحت رذاذ من المطر ، أتت به ريح جنوبية شرقية. ورافقتنا غيوم المطر ردحا من الزمن ، ولم تبخل علينا بتفريغات بين آونة وأخرى. وكان معنا في رحلتنا اليوم عشرة أو خمسة عشر قرويّا لترميم الجسور أو تمهيد الطرق الرديئة للتختروان. وكان مسيرنا صعبا ، خضنا فيه المياه والأوحال في أغلب أقسام الطريق حتى وصلنا إلى (جوبوق) في العاشرة قبل الظهر ، فنزلنا بأرض مضربنا القديم (١) وقد وجدناها جافة. وسبقنا التختروان في المسير بنصف ساعة ، لكنه وصل بعدنا بعشر دقائق. ومن محاذير السفر مع جماعة كبيرة هو أن القرويين يخفون كل ذخيرة جيدة نسبة قد تكون في حوزتهم حذر سلبها منهم ، وعلى الأخص إذا علموا أن بين الجماعة من هم من موظفي الحكومة.
عادت السماء فتلبدت بالغيوم مساء ، وبدأ البرق بعد الغروب في الشمال والشمال الغربي ، وسرعان ما هب نسيم عليل من ذينك الاتجاهين ولكنه ما إن هب إلا وتغلبت عليه ريح قوية من الجنوب الشرقي ، ثم غدا الأفق أسود يحاكي جناح الغراب في لونه وعاد البرق يومض في جميع الآفاق وميضا متتابعا لا أذكر له مثيلا. ولكن الرعد لم يزل بعيدا عنا ، أما الأفق في الغرب فكان حالكا ، وانعدام الضوء كان يضاهي ما تخيله اللورد (بايرون) في حلمه الرهيب عن انطفاء نور الشمس. ما كنا نشعر برهبة ذلك الظلام إلا عند الفترات القصيرة بين ومضات البرق ، حيث كان يظهر لنا ساطعا بنوره في ذياك المكان الحالك ، وكنا نرى أسهم النور تصيب الأرض بين آونة وأخرى. وكان وهج البرق كلما أنار الأصقاع ، أظهر لنا حارسا هنديّا متكئا على بندقيته ، وخيمة احتمت بها جماعة من البغالين ، أو رهطا من المسافرين المتعبين
__________________
(١) يشير المستر (ريج) بذلك إلى سفرة قام بها سابقا إلى جنوب كردستان ليبحث في خرائب (قصر شيرين) و (حوش كه ره ك) ، وفي الملحق نجد مذكراته فيها.