على عادة النّقباء ببلاد العراق. فغلبت عليه الدنيا وترك العبادة والزهد وتصرف في الأموال تصرفا قبيحا فرفع أمره إلى السلطان ، فلما علم بذلك أعمل السفر مظهرا أنه يريد خراسان قاصدا زيارة قبر علي بن موسى الرّضى (١١) بطوس ، وكان قصده الفرار.
فلما زار قبر علي بن موسى قدم هراة وهي آخر بلاد خراسان ، وأعلم أصحابه أنه يريد بلاد الهند فرجع أكثرهم عنه وتجاوز هو أرض خرسان إلى السند فلما جاز وادي السند المعروف ببنج آب ، ضرب طبوله وأنفاره ، فراع ذلك أهل القرى وظنوا أن التتر أتو للإغارة عليهم ، وأجفلوا إلى المدينة المسمّاة بأوجا ، وأعلموا أميرها بما سمعوه فركب في عساكره واستعدّ للحرب وبعث الطلايع فرأوا نحو عشرة من الفرسان وجماعة من الرجال والتجار ممن صحب الشريف في طريقه ، معهم الأطبال والأعلام ، فسألوهم عن شأنهم ، فأخبروهم أن الشريف نقيب العراق أتى وافدا على ملك الهند فرجع الطلايع إلى الأمير. وأخبروه بكيفية الحال ، فاستضعف عقل الشريف لرفعه العلامات وضربه الطبول في غير بلاده!
ودخل الشريف مدينة أوجا وأقام بها مدة تضرب الأطبال على باب داره غدوة وعشية ، وكان مولعا بذلك.
ويذكر أنه كان في أيام نقابته بالعراق تضرب الأطبال على رأسه فإذا أمسك النقار عن الضرب ، يقول له : زد نقيرة يا نقار! حتى لقب لذلك.
وكتب صاحب مدينة أوجا إلى ملك الهند بخبر الشريف وضربه الأطبال بالطريق وعلى باب داره غدوة وعشيا ورفعه الأعلام ، وعادة أهل الهند أن لا يرفع علما ولا يضرب طبلا إلا من أعطاه الملك ذلك ، ولا يفعله إلا في السفر وأما في حال الاقامة فلا يضرب الطبل إلا على باب الملك خاصة بخلاف مصر والشام والعراق فإن الطبول تضرب على أبواب الأمراء ، فلما بلغ خبره إلى ملك الهند كره فعله وأنكره وفعل في نفسه.
ثم خرج الأمير إلى حضرة الملك وكان الأمير كشلوخان ، والخان عندهم أعظم الأمراء ، وهو الساكن بملتان كرسي بلاد السند ، وهو عظيم القدر عند ملك الهند يدعوه بالعمّ لانه كان ممن أعان أباه السلطان غياث الدين تغلق شاه على قتال السلطان ناصر الدين خسروشاه ، قد قدم على حضرة ملكة الهند فخرج الملك إلى لقائه ، فاتفق أن كان وصول الشريف في
__________________
(١١) ضريح الإمام عليّ الرّضى يوجد بمدينة مشهد ... وهو الامام الثامن ، على ما هو معروف ، وهو مشهد عظيم ، زرته لثاني مرة أوائل يونيه ١٩٩٦ صحبة ولدي يسر فرأيت الفرق الشاسع ازاء زيارتي عام ١٩٧٠ التي وصلت فيها قبر عمر الخيام ـ بنج آب وأوجا من ملتان على نهر الهند وسياتي الحديث عنهما مفصّلا ...