ونصعد بعض الدرجات أيضا فنصل إلى سهل مغلق من كل الجهات ، تحيط به قمم هائلة ، منها قمة القديسة كاترين التي ترتفع إلى ما لا يقل عن ٨٥٠٠ قدم عن سطح البحر الأحمر. ولا تقل قمتا حوريب وسيناء عن هذه ارتفاعا ؛ وإن هذا الارتفاع هو الحد الذي تظل بعده الثلوج موجودة أبدا ، على المرتفعات في المناطق الشمالية. ومن أي جهة نظرنا ، وإلى أبعد ما يستطيع النظر الوصول ، لا نرى إلا كتلا من الجرانيت الأمغر ، والوعر ، والأجرد ؛ كما لو أنها احتفظت تماما بشكلها يوم أن خرجت من أمعاء الكون ؛ لم تنم أية نبتة في هذه الأنحاء ، ولا يمكن لأي منها أن تنمو في المستقبل ، مع ذلك فإن هناك شجرة ، ولكنها وحيدة تنتصب في وسط المكان القاحل ، إنها شجرة سرو ضخمة ضخامة غير معتادة ، تشبه قمتها هرما ضريحيا يقاوم منذ قرون كل العواصف. ونجد عند جذور الشجرة بئرا ماؤها عذب وصاف ، ولا يشرب منها أحد ، لأنه لا أحد يسكن ، ولا أحد يعبر هذه الأرض الموحشة وحشة مخيفة عدا بعض المسافرين. / ٧١ / لقد قضيت استراحة طويلة بجوار تلك البئر المهجورة ، في ظل شجرة السرو العملاقة ، متوغلا ومتحديا ، إن صح القول ، تلك الطبيعة القاسية ، العظيمة ، والموحشة ، والمنعزلة كل العزلة ، والمفعمة بالأمجاد ، والعامرة بكم هائل من الذكريات ، والتي تبدو للبصيرة والبصر أنها أرض أمجاد خالدة. إن من يرى تلك الطبيعة المؤثرة يشعر أن أحداثا عظيمة وهائلة جرت بين أحضانها ، وأنّها خلقت وتكوّنت لتكون مسرحا لأسرار جليلة ، ولمعجزات فائقة ، ونشعر أن الله اختارها ليوحي فيها إلى أنبيائه. كم هناك من أحداث ، وكم من القرون