وكانت هذه المطالب
سببا في نشوب القتال بين الفريقين ، وتوسعت دائرة هذا القتال لتشمل ـ في المرحلة
الأولى ـ الأفراد العاديين في المجتمع ، ثم ـ في مرحلة ثانية ـ قبيلة «حرب» التي
تقطن بعض المناطق المحيطة بالمدينة ، وقد اتخذت هذه القبيلة موقفا محددا من
الطائفتين المتقاتلتين.
** لا بد أن يكون
لمبدع القصيدة «السيد البيتي» موقف معين من الأحداث الدامية التي كان يشهدها
مجتمعه ، وتمتد آثارها ـ كما ذكرنا ـ إلى الأفراد الذين لا ينتمون إلى إحدى
المجموعتين المتصارعتين.
ولعل الشاعر
استطاع أن يقدم ـ مدفوعا بحبه لهذا المجتمع ـ صورة حية للحالة التي أصبحت عليها «المدينة»
بعد أن شوهت وجهها تلك الحروب الدامية ، ولهذا نجده يفتتح ملحمته بمقدمة يرثي بها
أرض الهجرة والايمان. وهي مقدمة تتكون من ثلاثة وعشرين بيتا ، يقول الشاعر في هذه
المقدمة الحزينة :
بكى على الدار
لما غاب حاميها
|
|
وجر حكامها فيها
أعاديها
|
بكى لطيبة إذ
ضاعت رعيتها
|
|
وراعها بكلاب
البر راعيها
|
بكى لمن هاجروا
بالكرة وارتحلوا
|
|
عنها ، وكانوا
قديما هاجروا فيها
|
واها لكربتها ،
واها لغربتها
|
|
واها لجائعها ،
واها لعاريها
|
واها لحالي لما
قمت أنشدها
|
|
الدار أطبق
إخراس على فيها
|
يا دمنة سلبت
منها بشاشتها
|
|
وألبست من ثياب
المحل باقيها
|
وقفت فيها
أعزيها لكربتها
|
|
اعجب على جلدي
أني أعزيها
|
فمن معينى
بأحزان يضاعفها
|
|
على؟ من لعيوني؟
من يواسيها؟
|