وإذا ما أراد أحد أن يكون من حملة المشاعل طلب الإجازة نظير قرش واحد ولكن منهم من يموت من فرط ما يبذل من جهد فى عمله ، وكثير منهم لا يستطيع العودة إلى مصر ويبقون فى الطريق وهم يستوفون شهرا بتمامه ، ثم يعودون ويلبسهم الباشا الخلع ويمضون إلى أقصى المدينة ولا يتوقفون قط ويطوفون بالقاهرة وبعد الغروب يعودون إلى بيوتهم ، وفى تلك الليلة يقوم خدامهم بتدليك أجسامهم بالزيت فيشعرون بالراحة ثم ينهضون ويضعون فوق رءوسهم طرة مزدانة بالجوهر ويرقصون ، وهذا من عمل المهرجين ، ويتأهبون لأن يكونوا رؤساء حملة المشاعل.
وفى يوم الموكب هذا يخلع عليهم الباشا خلعة أخرى ويمضى أمام المحمل الشريف كبار المشايخ وعلى وجوههم مظاهر البهجة والسرور.
ولحملة المشاعل هؤلاء مع الشيوخ مشاحنات كثيرة فى عهد إبراهيم باشا ؛ فقد قال المشايخ : منذ صدور قانون السلطان بيبرس ونحن نتولى مهمة إرسال المحمل الشريف.
فقال حاملو المشاعل : إذا ما حملتم المحمل الشريف إلى الكعبة على هذا النحو لاستحال عليكم ذلك ؛ بارك الله لكم أما إذا ما بلغتم به باب الناصر فحينما تجتازونه سلمونا المحمل ولينعم كل منكم بالبقاء فى القاهرة ، أما نحن فسوف نذهب به إلى مكة والمدينة ونعود به. إن سلطان مصر جعل المحمل لأمير الحج وهو يختار من بيننا ، وقد خلع علينا وكيل السلطان ونحن نتقدم موكب المحمل.
وفى آخر الأمر حكم بعض الرجال المنزهين عن الأغراض بأن يبقى جميع المشايخ والصوفية فى القاهرة. ومنحوا حملة المشاعل الجواب الشافى ، وقيد ذلك فى السجلات ، وأصبح ذلك حجة أكيدة فى يد حملة المشاعل وتسلموا المحمل الشريف ، ومضوا به وهم يرددون قولهم هاتفين «الله ينصر السلطان» وهذا ما تنشق له مرارة الإنسان تأثرا به.
وتقع خلفهم ضجة عالية ويسمع صوت مخيف كأنه صوت هاتف ربانى ، وبينهم من ينتسبون إلى مائة وأربعين طريقة قد رفعوا آلاف الأعلام والرايات ويجتمع جميع مشايخ الصوفية وبجانبهم خلفاؤهم ونقباءهم وجاويشيتهم ، ويعبرون موحدين الله ، ويحيطون المحمل الشريف بآلاف من أعلامهم وهم فى جلبة وضجة كأنما الثورة قامت فى القاهرة.