وإذا ما صدر الفرمان السلطانى بذلك ، حبس الباشا المخلوع وكبار أغواته فى برج يوسف وباعوا كل أمواله وممتلكاته فى المزاد ، فيخلو وفاض الباشا وأتباعه ويدوم حبسهم ثمانية أو تسعة أشهر وقد يمتد سجنهم إلى عام ويصبح الباشا فى حاجة إلى الدوانق (١) ، ويطلق سراحه بعد سداد ديونه وينقل إلى قصر أو يبقى فى ذلك القصر تحرسه فرقة من الجند.
يأتى بعد ذلك المدعون وأصحاب المظالم والشكاوى من كل صوب يطلبون ما أخذه الباشا المخلوع من رشوة دون مراعاة لمصالح المسلمين وانحرافا عن جادة الشرع الشريف.
فأما أن يعينه وزير مصر ويصونه قاضى العسكر ويدفعان لكل واحد من المدعين جزءا من الشىء لإصلاح ذات بينهم. أو أن يحرص الباشا والقاضى عسكر والفرق السبع المدعين فتسوء حالة الباشا المخلوع وأغواته إلى أبعد حد فيطوفون بهم من مكان إلى مكان للتشهير بهم.
ـ خلاصة القول :
إذا كان الباشا عاقلا ومدبرا ـ حاسب المصريين قبل أن يحين عزله بخمسة أو ستة أشهر وألا يعتمد عليهم فى حساب ما عليه من ديون بل يراجعها مع الأستانة وعند خلعه يصدر فرمان سلطانى مع المسلم أو كتخدا الباب يجىء فيه : «أنت يا فلان وزيرى على مصر إذا ما وصلك فرمانى هذا عليك أن ترسل إلى الأستانة الوزير فلان معززا مكرما» وعندما يصدر فرمان على هذا النحو فإنه ـ والعظمة لله ـ لا يفارقون الباشا المخلوع لشهر أو أكثر حبا فيه ومجاملة له إذا إنه فى طريقه إلى الباب العالى ومن المؤكد أنه سيصبح صدرا أعظم. ولا يجترئ وزير مصر ولا القاضى عسكر ولا جند مصر على الفصل فى ديونه ولا يستطيع أحد القول بأن حبة واحدة بقيت فى ذمة الباشا المخلوع وفى خلال أشهر أو أكثر عندما يهيئ الباشا أمتعته يأتيه مائتان أو ثلاثمائة بغل أو جمل وما يقرب من ألف من الجياد والطواشية ومال لا يحصى كثرة حتى إن الهدايا التى تأتى
__________________
(١) الدوانق : وحدة النقد العباسية ومفردها دونق.