وكم كان ينفق أهل القاهرة فى تلك الأيام على مجالسهم الخاصة وكأن كل منهم ورث سبعة من الأثرياء. وبعض الأعيان من أنفقوا ألف ألف قرش على الألعاب النارية. ومنهم من كان يطلق كل قذيفة بأربعين قرشا.
ومن عجب أن كواكب القاهرة منسوبة إلى كوكب الزهرة والناس يتعللون بذلك طلبا للبهجة والسرور. وأهل القاهرة منعمون ولله الحمد ، وأقلهم راتبه يتراوح بين خمس إلى ست يارات ، وحتى للنساء منهم لهن رواتب ومعاشات. إن وفرة المال هى السبب فى سفاهة الرجال ، ففى المثل التركمانى : (إذا ما زاد السمن لدى العربى فإنه يبحث عن وسيلة يضيع بها هذا السمن).
ويحرص المصريون على إلحاق لفظ الغنى والمغنى بأسمائهم.
ذكر دخول وزراء مصر إلى القاهرة
قادمين من العادلية لأول مرة
وفى منتصف الثلاثة أيام خلع المصريون وجميع أغوات الباشا خيامهم وعادوا إلى القاهرة بخيامهم وأمتعتهم وأرسل إلى الشهر حواله إلى أغوات المراحل ، وتخفف كل شخص من ثيابه الثقيلة ولبس ثيابا خفيفة لطيفة نظيفة ، وبقى فى كل بيت من بيوت الأغوات خادم ومضوا إلى موكب الباشا فى العادلية.
وفى صباح اليوم التالى أدى الباشا صلاة الفجر مع أغا الانكشارية وأغا العزب وأغوات الأوجاقات السبعة ، ثم تناولوا طعام الفطور ، وجهزت صفوف الموكب على الفور ، وأصبح الجند على أهبة الاستعداد للتحرك ودعو بالخير لعزيز مصر.
وعندما ركب الباشا جواده هتف جميع الجاويشية بحياته قائلين : أطال الله عمر سلطاننا وأيده وأدام دولته. وأخذوا يصفقون. وفى ساعة السعد بإذن من رئيس المنجمين سيقت الجياد ومر الباشا بجواده من أمام قبر طومانباى فى العادلية وقرأ الفاتحة ترحما عليه ، ثم عاد إلى صفوف المواكب وعندئذ عزفت الموسيقى العسكرية وتردد أصداء عزفها فى كل الجهات وبدأ الموكب فى التحرك ، ومضى الجاويشية فى ثياب مزركشة على جيادهم وقد تحلت أيديهم من فضة وتحلت رؤوس جيادهم بالريش قارعين طبولهم