ثم انصرف قدامى فرقة المتفرقة وجاء قدامى الجاويشية وهؤلاء جميعا شملهم الباشا بكرمه على نحو ما شمل به من قدموا قبلهم. ثم قدم بعد ذلك قدامى السباهية وحملة البنادق والمطوعة وكرم كل منهم على حسب رتبته وانصرفوا.
ثم قدم رؤساء شاويشية الانشكارية للقاء الباشا ودخلوا عليه قائلين «جئنا لنزف التهنئة بالعيد لمولانا السلطان» وقبلوا يد الباشا ووقف كل منهم فى مكانه وألقوا كلمات التحية والإطراء على الباشا. وهؤلاء كانوا يحظون بمزيد من رعاية الباشا ، إذ إن للانكشارية فى مصر مرموق المكانة ومن متقاعدى الانكشارية ممن شغل مناصب كتخدا الانكشارية ورئاسة الشاويشية وقيادة الجيش من يملكون آلاف الأكياس وهم واسعو الثراء إلى حد جد بعيد. وقد انصرفوا بعد أن طيب الباشا خاطرهم ، وبعد ذلك قدم رئيس شاويشية العزب واستأذن فى الدخول على الباشا فدخل وفى معيته قدامى فرقة العزب وقبلوا يد الباشا وانصرفوا بعد أن أكرمهم الباشا دون أدنى تقصير.
أما جان بولاد زاده حسين باشا فقد كان يدعو فرق العزب والانكشارية للمثول بين يديه ليهنأهم بالعيد السعيد ، وكان ذلك من وقت فى المجاملة. ولشهرة هاتين الفرقتين فإنهما كانتا خليقتين بكل تعظيم.
وقدم بعدهم بعض المشايخ ودخلوا إلى مجلس الباشا قائلين : «عيد شريف مبارك يا مولانا السلطان» ثم انصرفوا. وبعد ذلك طلب الباشا جواده ومضى فى موكب عسكرى وسط عزف الموسيقى العسكرية. هذا هو عرف مصر وما ذكرناه خاصا بموكب العيد.
وفى العيد يلبس جميع الأعيان والأشراف فاخر ثيابهم ويتزاورون جماعات جماعات ويتبادلون التهانى بالعيد ، وهذا فيهم فطرة إلهية كما أن ذلك بأمر السلطان وفى تلك المناسبة ، لا يشرب أى مشروب فى القاهرة إلا بوزة الأرز التى يسمونها «السوبية» وقد سبق الحديث عنها آنفا. إلا أنهم فى تلك الأيام يجهزونها قبل ثلاثة أو أربعة أيام ويضيفون إليها السكر والقرفة والقرنفل. وهى شراب مقو نافع مرطب لا وجود له إلا فى مصر.