وعلى هذا النحو يحصّل المال السلطانى من كل ما يطير فى الجو ويدب على الأرض ويسبح فى الماء ويسلمونه إلى الباشا ليضيفه إلى الخزانة السلطانية. وهكذا يحصل المال السلطانى من الرعايا الفلاحين.
وهؤلاء الفلاحين قوم حاسروا الرأس حفاة يلبسون القباء واللقاع (١) ، غير أنهم ثراة وهم يكدون فى العمل كفرهاد (٢).
ولقد نظر الله عزوجل إلى مصر بعين الرحمة ولذا يسمونها أرض الذهب وهم على الحق والصواب فى تسميتها بذلك الاسم ، ولقد تكلم العظماء عن مصر فقالوا : «إن نيلها عجب وأرضها ذهب وهى لمن غلب».
وحقا إن من غلب عليها كان له الحكم فيها. وقد حكمت غلابا منذ عهد الصديق يوسف. ولم يكن سلاطينها من أهل الحسب والنسب. وأهلها ليسوا أهل المسكنة وجميع جنودها من العصاة الطغاة وهم يحكمون بقوتهم وجبروتهم.
وأصل مقولة أنها تنبت ذهبا ، هو أنهم إذا بذروا فى الأرض كيلة من البذور نبتت محصولا يقدر بعشرين كيلة ، وبيع بدينار من ذهب.
وثمة ميزة لماء نيلها وفولها هى :
أنه إذا شرب منه أحد ولو كان تركيا ثلاثة أعوام أصبح جبارا عتيا ، أما نساؤهم فيصبحن غاية فى حسنهن ويذهب حياؤهن. وإذا شربت الخيل من ماء النيل أصبحت جامحة وخرجت إلى صحراء قطية وأم الحسن ولا تبلغ بلدا آخر. أما حمرها فهى
__________________
(١) القباء : ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ، ويتمنطق عليه. ويقال له أيضا : القفطان. واللّفاع : ما يغطى به الجسد كله كساء كان أو غيره. والملفعة اللّفاع.
(٢) فرهاد هو اسم حفار ونقاش مشهور فى الأدب الفارسى ، له قصة حب مأساوية مع من تدعى «شيرين» جارية أرمنية كانت للملك خسرو برويز أحد ملوك الفرس الساسانيين. انظر : حسين مجيب المصرى ، فارسيات وتركيات ص ٣٩.