الفصل الثانى والأربعون
أوصاف مصيف مدينة السلطان قايتباى
كان إنسانا ذواقة ، ميالا للترف ، ولوعا بالصيد والقنص والفروسية ، ولذلك كان يطيب له جو هذه المدينة فعمرها. ففى مصر ما يعرف بأيام الخماسين وهى أيام تدوم خمسين يوما وتصيب الناس فى جنوب مصر. والعياذ بالله ـ بالنحس والقذارة والأمراض المختلفة.
ويقضى الناس خمسين يوما فى خمول وإعياء وعناء ويتفشى فيهم الطاعون وتسوء أحوالهم أيما سوء ، وينفجر مخ الأجنة فى بطون أمهاتهم فى شهرهم الخامس ويتوفون ، وتسقط أسنان الشيوخ وحواجبهم ، ومنهم من يموت ومن تكتب له النجاة.
لقد دعا سيدنا موسى على قوم فرعون فنزل بهم البلاء خمسين يوما. إنها أيام خوفهم التى يعبرون عنها قائلين : «آه خناق هنم خماسين».
وفى هذه الأيام يسعد باشا مصر لأن كثيرا من القرى تصبح قرى محلولة (١) ويتحصل له منها مال كثير.
ولكن من حكمة الله أن هذه الأوقات العصيبة فى مصر وهى أيام الخماسين تصادف موسم الربيع فى بلاد الترك ويا لها من حكمة عجيبة.
وكان السلطان قايتباى يقيم فى ذلك المكان ستة أشهر لتلافى قذارة أيام الخماسين ، ولذلك صرف همته فى تعمير هذا المصيف. ومصيف قايتباى الآن مكان نزه طيب النسيم وتشكل كل من القاهرة وبولاق ومصيف قايتباى مثلث ، وبين كل منها مسيرة ساعة ، وكلها حدائق عامرة ومن خارج باب الناصر ـ فى الجهة الشرقية للقاهرة ـ وحتى العادلية طريق اسطنبول وطريق الحج ، ويقع مصيف قايتباى على هذا الطريق الرئيسى ، وعلى جانبى هذا الطريق كان يوجد ١٠٠٠٠ قصر فخم ، ومنذ أن دخلت مصر فى حوزة العثمانيين انقرض قوم الشراكسة وتخربت قصورهم فى قايتباى هذه ، ولم يبق منها
__________________
(١) محلولة : بمعنى شاغرة حلّت إدارتها وخرجت من التزام ملتزمها.