الفصل السادس والثلاثون
فى ذكرى ما يهب الحياة لأهل القاهرة
من أسبلة وخلجان وبرك وأحواض وآبار
بما أنه ليس من شىء أعز ولا ألذ من الماء عند جميع مخلوقات الله فقد أنزل فى ذلك آية كريمة على المصطفى صلىاللهعليهوسلم هى : بسم الله الرحمن الرحيم (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) الأنبياء : ٣٠.
ولحاجة مدينة القاهرة بصفة خاصة إلى الماء لم يكن هناك ما هو أعظم ثوابا من توفير الماء لخلق الله فيها. فمنذ أن قدمها عمرو بن العاص فاتحا إلى يومنا هذا حكمها مائة وسبعون ملكا ، وأقام كل منهم جامعا يتصل به سبيل ، كما أنشأوا آلاف الأسبلة فى جهات أخرى وفى كل من هذه الأسبلة حمل عشرة آلاف أو خمسة عشر ألف جمل من الماء كما أن سائر الوزراء والوكلاء والأعيان والأشراف أقام كل منهم سبيلا على رأس كل جهة يصعد إليه بسلم حجرى من ثلاث درجات أو أكثر ، وهى أسبلة مزخرفة لها نوافذ ذات قضبان من النحاس وقد زينت بالقيشانى الصينى واليشم اليرقانى والرخام والصماقى. علاوة على ما بجانب القصور العالية وأسفل بعض البيوت من أسبلة جميلة ذات زخارف.
وجملة القول أنه كان فى القاهرة ـ على حد قول الغزالى ـ ٦٠٠٠ سبيل ، أما الآن فهى () (١) سبيل ، إضافة إلى إلى أسبلة كثيرة على رأس كل جهة وبين بعض الحوانيت.
أشهر أسبلة مدينة القاهرة
* سبيل السلطان الغورى :
أعظم وأشهر أسبلة القاهرة ، وبما أنه يقع فى مكان مزدحم من السوق السلطانية يزدحم الناس عليه ، وهو يقدم الماء النقى من الصباح إلى المساء ، وهو سبيل كأنه البحر الخضم فماؤه يقدر بحمل عشرين ألف جمل ، وأوقافه عظيمة ، وبنيانه متين ، ومما يروى عنه أن صهاريجه الأربعة كلها من الرصاص ولذلك كان ماؤها عذب. كتب على شباكه بخط جلى قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) الأنبياء : ٣٠.
__________________
(١) بياض فى الأصل.