وقد أعملوا سيفهم فى العثمانيين فهل هذا الصوت آت من قبلهم. وبينما كنت أفكر فى ذلك قدم صاحب الصوت الذى سمعته فإذا به رجل مع ابنه قدما إلى الجبل يحطبان إلى أن حل وقت الظهر ورفع الآذان فعرفت أنهما من أمة محمد فتقدمت نحوهما وتعرفت بهما بعد أن ألقيت السلام. فقال لى هذا الرجل باللغة البوسنويه : أهلا بك ، هل أنت من سكان هذه الجبال؟
فقلت : كلا إن لى بعض الرفاق خرجت معهم متصيدا فى تلك الجبال التى نعرفها. وسألته : هل أنت من انكشارية قلعة هلونه؟
فقال : أو ليس عندك خبر عن هؤلاء الجند الذين لحقت بهم الهزيمة؟
قلت : لقد انهزم هؤلاء الجند منذ أسبوع ومضوا إلى قلعة هلونه وقلعة كنين.
فقال : لما استولى النصارى على قلعة «كلس»؟
أما أنا فمهمتى كانت المحافظة على نفسى وأنا أحتضر.
وجملة القول أن الصداقة انعقدت بيننا ، وبينما كنا نمضى إلى قلعة «غلاموج» التقينا بحاكمها فى الطريق وبعد حديث طويل أنزل أحد خدامه عن حصانه وأركبنى فحمدت الله حمدا كثيرا وانخرطت فى البكاء. وبعد ساعتين دخلت قلعة «غلاموج» فى موكب وحللت ضيفا فى تلك الليلة على منزل حاكم القلعة ، ويا لها من حكمة أن يكون حصن الإسلام على بعد ساعة منى إلا أن الخوف تملكنى فبقيت سبعة أيام وليال ولا يؤنسنى إلا الثعالب وبنات آوى والأرانب والظباء. وفى اليوم التالى طلبت من حاكم القلعة عشرة فرسان فقد تركت تحت صخور الجبل خلانا أوفياء وذهبت لأبحث عنهم مع عشرة من الرفاق وعندما وصلنا الموضع الذى دفنت فيه سيفى وكنانتى وقوسى ومنطقتى تركت جوادى لرفاقى وتقدمت وأزحت الأحجار وأخذت أسلحتى ، وكانت الثعالب وبنات آوى أكلت جلد كنانتى وعلقتها فى خصرى على هذه الحالة وأخذت منطقتى كذلك وحملت بندقيتى وحمدت الله حمدا كثيرا ، ومضيت نحو رفاقى وامتطيت صهوة جوادى ووصلنا قلعة «علاموج» بعد ساعة ، ونزلت ضيفا فيها سبعة أيام.