حادثة
وأعظم فوائده كذلك أنه فى عام ١٠٥٦ حاصر : تكلى مصطفى باشا قلعة «مشاشبه» إحدى قلاع البندقية على حدود البوسنة وأمطر القلعة بوابل من طلقات المدافع أربعين يوما وليلة ، إلا أنه ما استطاع إلى فتحها سبيلا وعاد دون أن يحقق بغيته ومضى إلى موضع يسمى «دانيال اوو» أى سهل دانيال ، وعسكر فيه ، وعندئذ حاصرنا مائتا ألف من نصارى الأوسقو والدوشقة والفرنجة والكروات من جميع الجهات ، وبعد قتال ضار دام سبع ساعات انهزمت القوات العثمانية وبدأ النصارى يسخنون القتل فى المسلمين وكنت فى ذلك الوقت منخرطا فى سلك الانكشارية ووكيلا للخرج ، وشاهدت بعينى هؤلاء النصارى وهم يعملون السيف فى سبعة من عبيدى وثلاثمائة من رفاقى فتركت كل أموالى وأرزاقى وكان لى جواد وهبنى إياه الصدر الأعظم قره مصطفى باشا فتركته جانبا ، وفى هذا السهل الوسيع جعل النصارى الضالون يقتفون أثرى إلا أنهم لم يعثروا على فقد أخفانى الله عن أبصارهم ، وفى آخر الأمر عندما مال ميزان النهار ضاقت الدنيا فى عينى فتركت جوادى ودخلت غابة ومعى سيفى وكنانتى وعايشت الطيور والوحوش فيها سبعة أيام وست ليال كنت أتقوت فيها بجذور بعض النباتات والثمار.
ولأنى كنت أمضى سيرا على الأقدام كان سيفى وجعبتى ومنطقتى وما فيها من نقود قد أنهكتنى بثقلها وما عدت أطيق لها حملا ، فأخرجت السهام من كناننتى وأمسكت بالقوس ووضعت كنانتى ومسدسين وبندقيتى وسيفى وما معى من نقود فى قراب ورفعت أحجارا تحت صخرة ودفنت فيها السيف والبندقية ومنطقتى واستودعت كل هذه الأشياء الله أمانة فطابت نفسى بذلك ، ومضيت بعد ذلك إلى غدير وتوضأت وصليت ركعتين واستمددت العون من أرواح الأنبياء والأولياء قاطبة ، وبينما كنت مندهشا حائرا سمعت صوتا باللغة البوسنويه هو صوت شيخ مجود وسمعت صوتا من الجهة المقابلة يقول : أين أنت؟ فرد الآخر باللغة البوسنويه : تعال يا ولدى العزيز ولما استمعت إلى هذا الكلام ارتدت إلى روحى وتنفست الصعداء ولكن الشيطان وسوس فى صدرى وتساءلت هل كل من يسكنون هذه الجبال من الكروات والأصقو وهم يتبعون النصارى