البئر ثلاثة آلاف قدم حتى يكون الوصول إلى مقر الشياطين. والجزء الأدنى مكان مظلم مخيف ولا ينبغى أن يبلغ هذا المكان الرجل الوهّام. ثم جعل صانع ماهر هذه البئر ثلاثة طوابق وجعل الطبقة السفلى منها ستين باعا وشق مغارات فى أحد جوانب البئر ، وفيها أقام دواليب ، وزوجان من الثيران يسحبان الماء من القاع بالدواليب فتنصب مياه كمياه البحر عند هذا الموضع فى حوض كبير من الصخر. كما حفرت مغارات فى جانب آخر من البئر فى الطبقة الوسطى والعلوية. وتقوم أزواج من الثيران بسحب الماء من الحوض السفلى بالدواليب وتصب المياه فى الطبقة الوسطى ، وفى أعلى أربعة أزواج من الثيران تقوم بسحب الماء من الطبقة الثانية من انخفاض ثمانين باعا بالدواليب وتصب الماء فى حوض الطبقة العليا فيتوزع على المدينة ويصل الماء إلى معسكر الانكشارية ، وحمام الطواشى سليمان باشا ، والأحواض وبعض البيوت ، إنها بئر تثير تذكر العبرة يسمونها بئر يوسف الصديق ولكن هذا خطأ لأنها منسوبة إلى السلطان صلاح الدين يوسف وليست منسوبة إلى يوسف الصديق ، إن من يمضون لمشاهدتها يحملون الفوانيس والشموع وينزلون إلى نهايتها فى ساعة من الزمن. ولها مائة ثور ، ولكل طبقة مغارات للثيران ، والثيران التى فى نهايتها تعودت على البقاء فى الظلام وغيرها لا يتحمل ذلك لأنها لا تستطيع أن تتنسم الهواء فى كل وقت. أما الثيران التى فى الطبقة العليا فيسهل عليها أن تتنفس.
ويسكن الفلاحون الذين يديرون هذه السواقى فى طبقات هذه البئر الثلاث ويتسلمون رواتبهم من أمين الساقية. ومرتب الذين يعملون فى الطبقة السفلى أكثر من مرتب بقية الذين يعملون فى الطبقتين الأخريين ، وثيرانهم كثيرة. وهذه الدواليب تدور ليل نهار ومن ينظر من أسفل البئر إلى أعلى فوهتها يرى أن الدواليب تدور كأنها الفلك.
وخلاصة القول أن من يسيح فى هذه الدنيا ولا يشاهد بئر يوسف لا يعرف ما فى الدنيا من صنعة ولا يعرف كيف أن الإنسان هو أشرف مخلوقات الله وكيف يستطيع عمل ما يشبه المعجزات ، وعندما يشاهدها العارف بالله يقول : «إن همة الرجال تقلع الجبال». إن هذا الأثر يسمو إلى مرتبة الكرامة وهذا فى الحق ليس فى قدرة البشر. إن