نعمه ، ونالوا من الإحسان والإنعام. وقرر لهم أنواعا من الخرقة يلبسونها. وكان منهم من يقيمون فى ضيافته العام والعامين دون أن يستثقل منهم ضيافته. وكان على الدوام يردد هذا المصراع من الشعر : «تعال إلى دار أمك دون كلفة».
وكان فى مجالسه على الدوام يبحث المسائل الشرعية والحقائق العلمية وكان له نواب عنه فى سبعين جهة. أما إيراده الذى كان يصله من شهر إلى شهر فكان ينفقه صدقة على أنه مرتبات عدا قضاء الخانقاه فكان له. وكان له مدرستان وسبع نظارات. كما كان له قرى تدر محصولا وفيرا. وكان تحت رياسته فى مصر ستة وأربعون ألف من ذوى الحسب والنسب. وفى أيام الموكب كان يخرج لاستقبال الباشا هو وأتباعه ويرفعون علم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتحته عمائمهم الخضر وبذلك الطريق أشبه شىء بأرض مخضوضرة. ومن شعشعة النور المحمدى كان هذا العلم يتموج. وكان جميع السادات يمتطون جيادهم متحازين مراعين الأحكام المحمدية.
ولقد ذكرنا على وجه الإجمال طوائف جند مصر وعلماءها وأمناءها وإدارات الملتزمين والكشافين. ولكن سوف نتحدث عنهم فى موضعه على وجه أفضل.
سكن السلطان سليم عليه الرحمة والغفران مدينة مصر ودمياط ورشيد والإسكندرية تسعة أشهر بتمامها. وقد ذكرنا هذا آنفا على ما ينبغى أن يكون. وتحدثنا عن الجند والعلماء والصلحاء وذلك طبق قانون السلطان سليم فى كل تفاصيله. وقد ضيف العلماء وكبار أولياء الله وأحسن إليهم ، وشرف بدعائهم له وسمح لهم بالسفر إلى بلاد الترك ، كما زار أضرحة الأولياء. وأمر بختم القرآن الكريم مائة مرة فى مشهد الإمام الحسين فى يوم واحد. وكان يطلب المدد من أرواح جميع الأنبياء والأولياء.
بعد تسعة أشهر خرج السلطان سليم من مدينة مصر إلى العادلية فى موكب عظيم وأولم وليمة عظيمة لجملة أعيان مصر فى الديوان ، وجعل كمال باشازاده على يمنته والوزير المكرم خيرة بك باشا على يسرته وأمر أن يقبل كل منهم الآخر ، ثم قال : «لقد جعلتكما أخوين فى الدنيا والآخرة ، وجعلتكما حاكمين على مصر وفوضت أمرها إلى الله. وملكتكما أنتما وأعيان مصر أمانة الله». وسلم كمال باشازاده لأشراف وعلماء