وكل عام تمتلىء انبار يوسف بالغلال ويقدم منها الخبز والعلف إلى الجند ، والحاصل أنه ـ على حد قول رجال الأعمال فى مصر ، وهو صحيح ـ أنه فى كل عام يتحصل لمصر ثلاثون خزانة وفى كل خزانة منها ألف ومائتا كيس وسوف نكتب عن كل خزانة فى موضعها ولكن أشير إلى هذه المواضع طبق الفهرس ، ولكن يا عزيزى هذه الخزائن يصيب منها كل ما يطير فى الجو ويدب على الأرض ويسبح فى الماء فمن إذن الفقير.
ذكر مقياس النيل المبارك وكثرة الناس
وأنواع الحيوانات ووفرة الحمّارين
لقد أفاض الله على مصر البركات بالنيل ، فيجمع المال السلطانى ، فإذا ارتفع ماء النيل فى المقياس بمقدار ثمانية عشر ذراعا يتحصل المال السلطانى ، فإذا ارتفع ماء النيل فى المقياس عشرين ذراعا يكون للباشا وللأمناء والملتزمين والكاشفين والرعايا نصيب ويحتفظون بالمال ، وما لم يرتفع إلى ثمانية عشر ذراعا اللهم عافنا يستحيل رى البلاد ويقع القحط والغلاء ويفلس جميع الأمناء والملتزمين ولا يتحصل خراج للسلطان. وإذا لم تكتمل الخزانة اضطر الباشا إلى تكميلها من ماله ويدفع رواتب الجند من صلب ماله ، ويطلب ثلاثمائة ألف وخمسون إمام يحملون البراءة والخطباء والعلماء والصلحاء ومشايخ السادات وجميع سكان البلاد يطلبون من متولى وناظرى أوقافهم الطعام والمرتبات ، ولمصر خزانتان للمال وإذا لم تدفع الرواتب ثارت الخواطر ولكن إذا ما عم مصر الرخاء نالوا طعامهم ورواتبهم ويدعون للباشا والسلطان وأصحاب الخير.
ولكن بناء على ما كتب محى الدين بن عربى من جفر : «إذا استوى الماء وتجاوز الخشبة من الجبل إلى الجبل وزاد على ثلاثة أذرع فلا شك فى غرق القاهرة ، حقا إن هذا كذلك.
ولما كان إبراهيم باشا كتخدا واليا على مصر فاضت مياه النيل من عتبة دميرقبو أى باب الحديد وأمام تكية إبراهيم الكلشنى بدا النيل وكأنه سهل كفى أهل مصر.
وجملة القول أنه ليس تحت قبة السماء وليس فى البلاد الخاضعة لآل عثمان ولا غيرها بلاد مزدحمة بالسكان ، خصبة وافرة المحاصيل مثل مصر أم الدنيا.